مقدمة

  تكملة لما تم دراسته في مقياس القانون التجاري، من أن أساس المعاملات التجارية       هو السرعة والثقة والائتمان، وأن معظم المشاريع الاقتصادية أو التجارية تقوم على الاقتراض والتدين سواء من البنوك أو من الشركات أو من تجار عاديين، فالتاجر لا يملك عادة السيولة الكافية لإجراء معاملات تجارية قد تفوق أحيانا كثيرة رأس ماله.

وتطبيقا لأهم مبدأ من مبادئ الدستور، وهي حرية ممارسة التجارة، وذلك بنص المادة 33 من الدستور والتي تنص على: "حرية التجارة والصناعة مضمونة، وتمارس في إطار القانون"[1]. ولكن من جراء كثرة المعاملات التجارية، والعقود المتراكمة التي قد يبرمها التاجر قد ينتج عنه تراكم للديون عليه ولا يستطيع التحكم فيها أو الالتزام بسدادها في الموعد المحدد، ومن ثم فيكون غير قادر على تسيير شؤونه مما يؤدي إلى الإضرار بالمتعاملين معه، ويتزعزع بذلك مركزه المالي وكذا صورته التجارية في السوق.

وبما أن ما دارسناه في مقياس القانون التجاري، يؤكد لنا بأن لا تمنح مهل للديون التجارية على عكس الديون المدنية، وبالتالي يحق للدائنين المطالبة بديونهم أمام الجهات القضائية المختصة، وبالطرق القانونية التي خولها لهم المشرع.

القانون التجاري الجزائري وفي ظل التحول الاقتصادي، وانفتاح الأسواق العالمية على بعضها كنتيجة للعولمة الاقتصادية، أخضع التجار وغير التجار، والخاضعين للقانون الخاص إلى نظام الإفلاس والتسوية القضائية وفرض عقوبات جزائية صارمة، خاصة في حالة الإفلاس التقصيري والإفلاس التدليسي، اللذان يعتبران جريمة جزائية، وهذا لأن المجال الاقتصادي حساس جدا لأنه يمس مصالح الأفراد، وكذا مصالح الدولة أو الدول في التجارة الدولية.

وإلى جانب أن القانون التجاري سهل المعاملات التجارية، من حيث حرية الإثبات وكذا التسهيل في التعامل بالأوراق التجارية كالسفتجة مثلا، والتي تعتبر ورقة تجارية بحسب الشكل تحمل بيانات إلزامية، وهي مكتفية ذاتيا، أي لا تحتاج لا لإجراء جديد ولا لأي ورقة خارجية للإثبات... وبالتالي من المنطقي الشدة مع من يتعامل بهذه الورقة، وذلك في حالة عدم احترام هذه المبادئ عملا بمبدأ الشدة والقسوة في التعامل مع التجار في مجالات المبادلات التجارية.

لذلك يمكن طرح التساؤل التالي: ما هي الشروط الواجب توفرها لشهر الإفلاس؟ وهل فعلا كان المشرع من خلال نصوص القانون التجاري قاسيا في التعامل مع من توقف عن تسديد ديونه التجاري؟

وكذالك يمكن التساؤل عن الفرق بين الديون التجارية والديون المدنية في تعامل المنظومة القانونية مع هذا الشخص المتوقف عن دفع ديونه؟

وما هي إجراءات الإفلاس والتسوية القضائية؟ وكذا من هي الهيئة المختصة والمشرفة على هذه العملية؟

من جهة أخرى، هل دائما يتم غلق ملف المفلس عند سداد كامل ديونه أم أنه هناك حالات أخرى؟ وما مصير الديون التي لم تسدد من قبل المدين أو لم تكفي أصوله لسدادها؟

وإشكالات عدة تثار، متعلقة بالإفلاس والتسوية القضائية، أحاول الإجابة عليها ضمن هذه المحاضرات الموجهة لطلبة السنة الثالثة، تخصص قانون خاص.

وسأعتمد خاصة في هذه المحاضرات على شرح النصوص القانونية الخاصة بالقانون التجاري والتي أفرد لها المشرع ثلاثة أبواب من الكتاب الثالث من التقنين التجاري، فلا يمكن فهم الإفلاس والتسوية القضائية إلا بالاعتماد على هذه النصوص.

ونظرا لأهمية الإفلاس والتسوية القضائية فالبرنامج المقرر يجعلني أقسم دراستي هذه إلى فصول كالتالي:

الفصل الأول: تنظيم الإفلاس والتسوية القضائي

الفصل الثاني: آثار الحكم بشهر الإفلاس والتسوية القضائية

الفصل الثالث: انتهاء التفليسة

الفصل الرابع: رد الاعتبار

الفصل الخامس: جرائم التفليسة

 

الفصل الأول: تنظيم الإفلاس والتسوية القضائية

نتعرض في هذا الفصل إلى مفهوم الإفلاس والتسوية القضائية وتمييزهما عن الإعسار (المبحث أول)، الشروط الموضوعية والشكلية لشهر الإفلاس والتسوية القضائية (المبحث الثاني) أشخاص التفليسة (المبحث رابع).

المبحث الأول: ماهية الإفلاس والتسوية القضائية وتمييزهما عن الإعسار

نتعرض في هذا المبحث إلى ثلاث مطالب هي: نبذة تاريخية عن الإفلاس والتسوية القضائية (المطلب الأول)، مفهوم الإفلاس والتسوية القضائية (المطلب الثاني)، تمييز الإفلاس والتسوية القضائية عن الإعسار (المطلب الثالث).

 

المطلب الأول: نبذة تاريخية عن الإفلاس والتسوية القضائية

تعود أصول نظام الإفلاس إلى القانون الروماني، حيث لم يفرق بين إعسار المدين المدني والمدين التاجر، وكان الإكراه البدني وسيلة للتنفيذ على المدين متى عجز عن أداء ديونه، فيجوز للدائن امتلاك شخص مدينه العاجز عن الدفع، وكذا بيعه وقتله واسترقاقه وحبسه لحين استيفاء الدين و كذا تأجيره للحصول على أجرته، وفي حالة تعدد الدائنين يقتسمون الثمن عند بيعه       أو يقتسمون أشلاءه عند قتله وذلك لإكراهه على إظهار ماله.

ثم تطور الحال بعد ذلك فأصبحت أموال المدين ضمان الدائنين دون شخصه، حيث تصفى وتوزع على الدائنين، فالمفلس يعتبر عندهم مجرما يجب أن تصفى أمواله وتباع عقابا له على عدم وفائه بديونه.

وفي عهد الجمهوريات الايطالية تطور نظام الإفلاس وعرف أثناءها الصلح وفترة الريبة، كما عرف في عهدها التفرقة بين الإفلاس الذي يشهر نتيجة سوء الحظ أو الظروف غير المتوقعة والإفلاس الناجم عن الإهمال أو التدليس.

 وقد عرف الإفلاس في فرنسا لأول مرة من خلال الأمرين الملكيين الذين صدرا في 1556 و1560، اتسما بالصرامة و قسوة أحكامه، إذ يتعرض المفلس بالتدليس لمحاكمة غير عادلة لا يمكنه تجنب قسوتها إلا بتنازله عن كل أمواله لتباع ويوزع ثمنها على الدائنين.

بعدها صدر قانون 1807 الذي اتسم بالصرامة وقسوة أحكامه إذ نصت على حبس المفلس أيا كانت أسباب إفلاسه، ثم تدخل المشرع وبسط في إجراءاته وخفف من تدابيره في قانون 1838 ودعم ذلك بالتعديلات التي أوردها في قانون 1899 المنشئ لنظام التصفية القضائية رعاية للمدين الحسن النية، فلا ترفع يد المدين عن إدارة أمواله ولا يستتبع بسقوط الحقوق المدنية والسياسية، فهو إفلاس مخفف fallite Anttenue. ليصدر بعد ذلك قانون 1955 بشأن التسوية القضائية liquidation judicaire وإعادة الاعتبار، وقام مقام التصفية القضائية لتطبق على التجار الذين تكون مشروعاتهم قابلة للاستمرار عن طريق الصلح مع الدائنين، وتم فيه الاحتفاظ بالإفلاس كجزاء للتجار الآخرين واستمرار الصيغة الجنائية للإفلاس (الإفلاس الواقعي).

 أما في إصلاحات 1967 فقد تكرست فكرة التمييز بين المؤسسات التجارية و بين من يديرها      و تشجيع الصلح لتمكين المؤسسات من الاستمرار بنشاطها التجاري والاهتمام بتوقيع العقوبات على المسؤولين عن إدارتها.

وقد طبق في الجزائر ما كان يطبق في فرنسا من قوانين بما فيها القانون التجاري بنظامي الإفلاس والتسوية القضائية، وذلك حتى بعد استقلالها ولغاية صدور الأمر 75/59 بتاريخ 26 سبتمبر 1975 المتضمن القانون التجاري والتعديلات اللاحقة له، حيث نظم في الكتاب الثالث منه أحكام الإفلاس والتسوية القضائية ورد الاعتبار والجرائم المتعلقة به[2].

 

 

 

 

المطلب الثاني: مفهوم الإفلاس والتسوية القضائية

أولا- تعريف الإفلاس

الإفلاس طريق من طرق التنفيذ على أموال المدين الذي يخضع لهذا النظام طبقا لأحكام القانون التجاري، ويتوقف عن دفع ديونه المستحقة الآجال، فيشهر إفلاسه قصد تصفية أمواله تصفية جماعية ويوزع الناتج عنها توزيعا عادلا بين الدائنين[3]، مادام دينه عاديا وليس لديه رهن    أو حق امتياز.

إذن هو الحالة القانونية التي ينتهي إليها تاجر متوقف عن دفع ديونه، أو هو الطريق للتنفيذ الجماعي على أموال المدين التاجر، الذي توقف عن سداد ديون في ميعاد استحقاقها مما يؤدي إلى تصفية أمواله وبيعها تمهيدا لتوزيع ثمنها على الدائنين قسمة غرماء[4].

الإفلاس إذن هو توقف الدائن عن دفع ديونه في الآجال المتفق عليها، أي أن تكون هذه الديون حالة الأداء، وللتنفيذ على أمواله بطريقة قانونية، جعل المشرع إتباع إجراءات شهر الإفلاس الطريق الوحيد لذلك.

ثانيا_ تعريف التسوية القضائية

هي توقف المدين عن دفع ديونه ولكن عن حسن نية وعن غير قصد، لأنه وجد نفسه غير قادر على دفع ديونه، كأن يكون قد واجه هبوط مفاجئ في أسعار النفط، مما أدى إلى أزمة اقتصادية عالمية، وعلى أساس الإقرار الذي يقدمه للمحكمة يطلب فيها شهر إفلاسه، قد  تصدر المحكمة حكما بالتسوية القضائية.

إذن هو طريق يمنع فيه التنفيذ الجبري على أموال المدين، ويستفيد فيما بعد من إجراءات الصلح.

 

 

ثالثا_ صور الإفلاس

ينقسم الإفلاس إلى إفلاس بسيط، وإفلاس بالتقصير، وإفلاس بالتدليس، كما أنه هناك من يقسمه إلى إفلاس إرادي وإفلاس غير إرادي.

1_ الإفلاس البسيط

في الإفلاس البسيط يكون التاجر قد بذل ما يلزم من جهود في معاملاته التجارية ولكن رغم ذلك وجد نفسه غير قادر عن تسديد ديونه الحالة الأداء عن حسن نية، وهذا يحدث مثلا في حالة أزمة اقتصادية عالمية، انهيار أسواق العملات أو ارتفاع سعر الذهب في الأسواق العالمية.... إلى غير ذلك من الأسباب الخارجة عن إرادة التاجر.

وفي كل هذه الأحوال لا يعتبر التاجر قد ارتكب جريمة الإفلاس، وقد يستفيد في هذه الحالة من التسوية القضائية وخاصة من إجراءات الصلح، ولكن يشترط أن يقدم إقرارا بذلك خلال 15 يوما من يوم توقفه عن دفع ديونه للمحكمة المختصة.

2_ الإفلاس التقصيري

هي حالة توقف التاجر عن أداء ديونه، وتدخلت فيها إرادته ولو بطريقة غير مباشرة في ذلك أي أن مركزه المالي المتدهور لم يكن نتيجة متعمدة، ولكن توصل له بتهوره وتقصيره وعدم أخذه لتدابير الحيطة والحذر، ومثال ذلك عدم مسكه للدفاتر التجارية بدقة، إسرافه في النفقات على الكمليات دون الضروريات كإنفاقه لأموال كبيرة على ديكور شريكته، أو أن نفقاته الشخصية تفوق أرباحه وإيراداته المالية، وبهذا يكون قد ارتكب جريمة الإفلاس بالتقصير.

3_ الإفلاس التدليسي

 يكون التاجر فيه قد ارتكب غشا أو تدليسا، قصد الإضرار بدائنيه، كاقتراض ديون على أساس ضمانات وهمية وكذا تحريره لسفاتج مجاملة حتى يتبين للغير أنه غير متوقف عن دفع ديونه، أو تزوير أو إخفاء دفاتره التجارية.

 

 

4_ الإفلاس الفعلي

لا يعتبر هذا النوع من الإفلاس صورة من صوره، لكنه في رأيي حالة قد تحدث، ويكون فيها الشخص مدان بجريمة إفلاس تقصيري أو تدليسي، فقد نصت المادة 225 من القانون التجاري على أنه:" لا يترتب إفلاس ولا تسوية قضائية على مجرد التوقف عن الدفع بغير صدور حكم مقرر لذلك .

ومع ذلك تجوز الإدانة بالإفلاس التقصيري أو التدليسي دون التوقف عن الدفع وبحكم مقرر".

القاعدة العامة هي أن التاجر لا يعتبرا مفلسا بغير صدور حكم نقرر بذلك، أي أنه يبقى مدينا إلى غاية صدور الحكم بشهر الإفلاس أين يتحول إلى مفلس، لكن قد يحدث وأن يدان الشخص بجريمة الإفلاس التقصيري أو التدليسي صادر من المحكمة على إثر قضية جنائية، أي أنه لدينا حكم لم يصدر من القطب المختص بملفات الإفلاس، ولكن لدينا إدانة جنائية، وقد جعلها المشرع الجزائري الحالة الوحيدة التي أخذ فيها بالإفلاس الفعلي دون صدور حكم شهر الإفلاس، مثالها أن يكون التاجر مدان بجريمة إصدار شيك بدون رصيد فتبين من حيثيات القضية أنه متوقف عن دفع ديونه بسبب تقصير أو غش أو تدليس فيصدر القسم الجنائي حكما بالإدانة بارتكاب جريمة الإفلاس بالتقصير أو بالتدليس، رغم أنه لم تصدر إدانة من المحكمة المختصة بذلك.

وبعبارة أخرى، فقد يتوقف التاجر عن دفع ديونه دون أن يشهر إفلاسه، ويطلب من المحكمة (القسم الجنائي) توقيع عقوبات الإفلاس بالتقصير أو التدليس عليه، أو قد يطلب أحد الدائنين من المحكمة (القسم المدني) بطلان تصرف أجراه المدين التاجر، وهو في حالة توقف عن الدفع، دون أن يكون الإفلاس قد أشهر، فتطبق على مثل هذا التاجر أحكام الإفلاس رغم عدم صدور بشهر إفلاسه، على أساس أن الإفلاس حالة واقعية أو فعلية تقوم بذاتها دون حاجة إلى حكم بشهرها وهي ما يطلق عليها الإفلاس الواقعي أو الفعلي[5]

فقط يجب التذكير على أن الإفلاس في هذه الحالة يكون في القضايا الجنائية دون سواها وهذا لأن جريمة الإفلاس التقصيري أو التدليسي معاقب عليها بنص المادة 383 من قانون العقوبات[6]، وبالتالي المشرع تبنى هذه النظرية،  فالمبدأ العام هو صدور حكم بالإفلاس، والاستثناء هو الإفلاس الفعلي.

وهناك من لم يأخذ بنظرية الإفلاس الفعلي على الإطلاق، أي لا يقر بها تماما، لا في المسائل المدنية ولا الجنائية، لأن الأخذ بها يؤدي إلى عدم المساواة بين الدائنين، مما يعارض الغاية من الإفلاس ولهذا لا يأخذ هذا الفريق إلا بالإفلاس الصادر من المحكمة التجارية المختصة[7].

رابعا_ خصائص نظام الإفلاس والتسوية القضائية

يتميز نظام الإفلاس والتسوية القضائية بعدة خصائص نوجز أهمها فيما يلي:

1_ نظام الإفلاس والتسوية القضائية متعلق بالنظام العام.

2_ نظام الإفلاس والتسوية القضائية هدفه المحافظة على أموال الدائنين من جهة وعلى المدين المفلس من جهة أخرى، لأنه أثبت عدم جدارته في إدارة أمواله بنفسه.

3_ شهر إفلاس التاجر يشكل جريمة معاقب عليها وفق قانون العقوبات، خاصة في حالة ارتكاب جريمة تدليس أو تقصير.

4_ إجراءات التفليسة تتم بإشراف السلطات القضائية على ذلك، وحتى بعد انتهاء التفليسة لعدم كفاية الأموال، تبقى تحت رقابة الهيئات القضائية.

 

المطلب الثالث: تمييز الإفلاس والتسوية القضائية عن الإعسار

أولا_ الإفلاس والتسوية القضائية يعتبران نظامان تجاريان، أي يطبقان على التاجر المتوقف عن دفع ديونه التجارية، وحتى على غير التاجر الذي يطبق عليه القانون الخاص أما الإعسار فيكون في المجال المدني أي على غير التاجر وبمناسبة عدم قدرته على تسديد ديونه المدنية.

ثانيا_ الإفلاس طريق من طرق التنفيذ على أموال المدين المتوقف عن دفع ديونه، أما التسوية القضائية فهي طريق لمنع التنفيذ على أموال المدين، شريطة تقديمه لإقرار بذلك خلال 15 يوما من توقفه عن الدفع، أما الإعسار فهو غير ذلك لأن التنفيذ يتم على أموال المدين ليس المتوقف عن دفع ديونه، بل الذي لم يستطع التسديد حتى بعد فوات الآجال القانونية.

ثالثا_ الإفلاس والتسوية القضائية تكون بمجرد توقف التاجر عن دفع ديونه التجارية حتى ولو كانت أمواله كافية لذلك، بينما يشهر الإعسار للمدين غير التاجر إذا كانت أمواله غير كافية للوفاء بديونه المستحقة[8].

أي أن في الإفلاس والتسوية القضائية، لا يعني أن المدين لا يملك أموالا لتسديد ديونه، بل قد تكون لديه عقارات يمكن بيعها للتسديد، وإنما لا يملك سيولة لتسديد ديونه التي حال أجل تسديدها.

وأما المعسر هو من لم تكفي أمواله لتسديد ديونه، حتى لو باع كل ما لديه من أصول.

رابعا_ نظام الإفلاس والتسوية القضائية هما من النظام العام، لأنه جريمة أخلت بالنظام التجاري والاقتصادي للدولة، أما الإعسار فهو ليس من النظام العام، لأنه يمس بالذمة المالية للمدين فقط.

وهذا ما يؤدي بنا إلى فكرة مفادها، أن القاضي في التفليسة يمكن أن يثيرها من تلقاء نفسه خاصة في الإدانة بجريمة الإفلاس بالتقصير والإفلاس بالتدليس.

خامسا_ انتهج المشرع الجزائري نهج المشرع الفرنسي في عدم تنظيم الإعسار بإجراءات تصفية خاصة كما فعل بالنسبة إلى الإفلاس، وخالف بذلك الكثير من التشريعات الحديثة التي وضعت تنظيما جماعيا لحالة الإعسار يشبه تنظيم التصفية في حالة الإفلاس واقتصر القانون المدني على ذكر حالة الإعسار وترك لدائني المعسر أن يتخذوا ضده  إجراءات فردية مما يترتب عليه تسابق الدائنون في هذه الإجراءات، ومن كان منهم نشيطا حصل على حقه دون غيره[9].

وأما الإعسار وبما أنه ليس من النظام العام، فلا يمكن للقاضي أن يحكم به من تلقاء نفسه.

خامسا_ الحكم بشهر الإفلاس والتسوية القضائية هو حكم مقرر، أما الحكم بشهر الإعسار فهو حكم منشأ لحالة جديدة[10].

 

المبحث الثاني: الشروط الموضوعية والشكلية لشهر الإفلاس والتسوية القضائية

نتعرض أولا إلى الشروط الموضوعية لشهر الإفلاس والتسوية القضائية، ثم إلى الشروط الشكلية لشهر الإفلاس والتسوية القضائية.

 

المطلب الأول: الشروط الموضوعية

من خلال المادة 215 و216 من القانون التجاري، يتضح لنا أن المشرع خول لعدة جهات الحق في تقديم طلب شهر الإفلاس وهي: المدين والدائن والمحكمة والنيابة العامة ولكن قبل أن يقدم الطلب يجب أن يكون المدين تاجرا أو خاضعا للقانون الخاص، ومتوقفا عن دفع ديونه.

وبالتالي الشروط الموضوعية لشهر الإفلاس هي صفة التاجر، وأن يكون المدين متوقف عن دفع ديونه.

أولا- صفة التاجر

تنص المادة الأولى من القانون التجاري على أنه:" يعد تاجرا كل شخص طبيعي أو معنوي يباشر عملا تجاريا ويتخذه مهنة معتادة له ما لم يقضي القانون بخلاف ذلك".

ويمكن إثبات صفة التاجر بكافة طرق الإثبات، ولقاضي الموضوع سلطة استنباط القرائن الدالة عليها، ويترتب على اكتساب صفة التاجر نتائج قانونية هامة، إذ يخضع التاجر لالتزامات معينة، لا يخضع لها التاجر العادي، مثل التزامه بإمساك الدفاتر التجارية والقيد في السجل التجاري[11].

فالإفلاس والتسوية القضائية، نظامان يطبقان في الأساس على الشخص التاجر، الذي هو كل شخص سواء كان طبيعيا أو معنويا، يمارس عملا تجاريا ويتخذه حرفة معتادة له  أما القيد في السجل التجاري فهو أثر وليس شرط لاكتساب صفة التاجر.

ولكن هناك وضعيات قانونية خاصة، يوجد فيها المدين المتوقف عن دفع ديونه، كأن لا يكون تاجرا أصلا فما موقف المشرع من ذلك، وهذا ما سنتعرض له فيما يلي:

1_ التاجر الطبيعي

1_1_ التاجر المستتر

هناك أشخاص قد يمارسون أعمالا تجارية ولو باسم مستعار، كالموظفين أو أصحاب المهن الحرة، أو أن الشخص لا يريد أن يظهر للعلن أنه هو التاجر، لذلك يمارس التجارة باسم مستعار فهل إن أشهر إفلاس التاجر الظاهر يلحق ذلك بالتاجر المستتر؟

الأصل في القانون الجزائري، أنه يأخذ بالظاهر ولكن إن تبين وجود تاجر مستتر، فإنه في هذه الحالة يلحق الإفلاس بالشخص المستتر حتى لو لم يكن تاجرا. إذن ورغم أنه لم يمارس التجارة ، ولم يتخذها مهنة معتادة له إلا أنه يمكن شهر إفلاسه، لأنه كان سيء النية ومارس الأعمال التجارية عن طريق شخص آخر، لذلك يشهر إفلاسه.

فالقاعدة العامة هي حماية الظاهر، ولكن إذا تبين سبب مستتر أو في الباطن، فإن الثر القانوني لهذا التصرف يمس الحالتين.

1_2_ التاجر القاصر   

ويشترط في التاجر المراد شهر إفلاسه أن تكون له الأهلية التجارية، وعليه فالقاصر غير المأذون له لا يشهر إفلاسه[12]، فوفقا للمادة 40 من القانون المدني[13]، يكون الشخص مؤهلا لممارسة الأعمال التجارية.

والقاصر لا يمكن شهر إفلاسه لأنه محمي بسبب انعدام أو نقص أهليته، وإنما يكون ملزما بالتعويض وفقا للمادة 103 من القانون المدني، وتعتبر تصرفات القاصر صحيحة وفقا لأحكام القانون المدني، حتى يحصل على حكم بإبطالها[14].

1_3_ التاجر المتوفى

تنص المادة 219 من ق ت على ما يلي:" إذا توفي تاجر وهو في حالة توقف عن الدفع ترفع الدعوى للمحكمة التجارة في أجل عام من الوفاة بمقتضى إقرار أحد الورثة بإعلان من جانب أحد الدائنين وللمحكمة أن تفتح الإجراءات تلقائيا خلال نفس ذلك الأجل".

أولا يجب الإشارة إلى أن المادة أخطئت عندما ذكرت محكمة التجارة، فلا يوجد في الجزائر ما يسمى بالمحكمة التجارية، لأننا نتبنى نظام الازدواجية بين القضاء العادي والإداري، فما كان مقصود هو الأقسام التجارية وبالتحديد الأقطاب التجارية، وأضن أنه كان خطأ في الترجمة فقط.

وحتى لا يكون الموت حادثا فجائيا يؤدي إلى عدم وصول الديون إلى أصحابها، يجوز شهر إفلاس التاجر المتوفى والذي توقف عن دفع ديونه، لكن شريطة أن يكون التوقف عن الدفع قد حدث قبل الوفاة، وأن يقدم الطلب خلال مهلة سنة من تاريخ وفاته.

وبالرغم من أنه يسقط حق الدائن في تقديم طلب شهر الإفلاس مدينه بمرور السنة من وفاته إلا أن حقه في الدين لا يسقط بل يظل عالقا بالتركة إعمالا لمبدأ "لا تركة إلا بعد سداد الديون" وإذا مارس الورثة تجارة مورثهم فإنهم يلزمون بتسديد الديون تحت طائلة الإفلاس الشخصي[15].

1_4_ التاجر المعتزل

تنص المادة 220 من ق ت على أنه:" يجوز طلب شهر الإفلاس أو التسوية القضائية في أجل عام من شطب المدين من السجل التجاري إذا كان التوقف عن الدفع سابقا لهذا الشطب".

نفس المبدأ الذي قيل عن التاجر المتوفى، ولتفادي هروب التاجر من دفع ديونه بحجة أنه اعتزل التجارة، أو شطب اسمه من السجل التجاري، فإن ذلك يجعله غير خاضع لنظام الإفلاس والتسوية القضائية لذلك أوجب المشرع من خلال المادة السابقة الذكر، شهر إفلاس المدين الذي أغلق أو باع محله التجاري بعد توقفه عن دفع ديونه.

وحتى يشهر إفلاس التاجر المتوقف عن دفع ديونه، لابد أن يكون التوقف عن الدفع قد كان قبل الاعتزال، وأن يقدم طلب شهر الإفلاس خلال سنة من تاريخ شطب اسمه من السجل التجاري.

2_ التاجر المعنوي

2_1_ شركات الأشخاص

يشهر إفلاس شركة التضامن وشركة التوصية البسيطة إذا توقفت عن الدفع، ويستتبع إفلاسها إفلاس الشركاء المتضامنين لاكتسابهم صفة التاجر، ولأن مسؤوليتهم تضامنية ومن غير حدود عن ديون الشركة.

أما بالنسبة لشركة المحاصة فإنه لا يجوز شهر إفلاسها لانعدام شخصيتها المعنوية ولا يتعرض للإفلاس إلا الشريك المحاص الذي قام بالأعمال التجارية وتعاقد مع الغير باسمه الخاص أما باقي الشركاء فلا يشهر إفلاسهم[16].

2_2_ شركات الأموال

يتم شهر إفلاس شركة الأموال ومنها المساهمة وشركة التوصية بالأسهم وشركة ذات المسؤولية المحدودة والشركة ذات المسؤولية الفردية إذا توقفت عن الدفع، وهذا النوع من الشركات يكون شهر الإفلاس فيها عكس شركات الأشخاص، حيث أنه لا يشهر إفلاس الشركاء فيها لعدم اكتسابهم صفة التاجر، ولكن مسؤوليتهم تكون بقدر رأسمالهم المقدم في الشركة أي حصص كل واحد منهم فقط، ولا تتعدى إلى مالهم الخاص.

أ_ شركة التضامن وشركة التوصية

يمكن شهر إفلاس الشركة في حالة توقفها عن الدفع، وبما أن جميع الشركاء في شركة التضامن تجار، وأنهم ملزمون شخصيا وبالتضامن، فإن إفلاس الشركة يستتبع إفلاس كل واحد منهم، ذلك لأن الذمة المالية لكل شريك تعتبر ضامنة لديون الشركة، وتوقف هذه الأخيرة عن دفع ديونها يعتبر توقفا تلقائيا من جانب جميع الشركاء[17]، وأضن أن هذا النوع من الشركات هو أخطرهم، لأنه يمس الذمة المالية الشخصية للشريك في حالة عدم كفاية حصصه في الشركة من جهة، وكذا أن الإفلاس ينتقل إلى البقية بمجرد إفلاس أحدهم.

وأما شركة التوصية بنوعيها سواء البسيطة أو بالأسهم، فإن الشريك المتضامن يعد تاجرا ويسأل شخصيا عن ديون الشركة، فإن إفلاس الشركة يستتبع حتما إفلاس الشريك المتضامن فيها ولو لم يرد ذلك صراحة بالحكم، أما الشريك الموصى أو المساهم فلا يشهر تبعا لشهر إفلاس الشركة، لأنه لا يكتسب صفة التاجر، ولا يسأل عن ديون الشركة بصفة شخصية[18].

ب_ شركة المساهمة والشركة ذات المسؤولية المحدودة

الأصل أن الإفلاس لا يلحق إلا الشخص المعنوي، على أساس أن الشركاء أو المسيرين    أو المديرين ليست لهم صفة التاجر، إلا أن هذه القاعدة لو كانت مطلقة لضمنت للمسيرين والمديرين في بعض الحالات عدم معاقبتهم وعليه، وتجنبا لهذه النتيجة السيئة أجاز المشرع شهر إفلاس المدير أو المسير القانوني أو الواقعي الظاهري أو الباطني، المأجور أو غير المأجور[19].

بمعنى أنه إذا ثبت تورط المسيرين في أفعال أدت إلى إفلاس الشركة، فإنه يشهر إفلاسهم رغم عدم اكتسابهم لصفة التاجر، والفكرة هي أنه لولا هذه الأفعال لما توقفت الشركة عن دفع ديونها، فهم مهددون بالإفلاس رغم أنهم ليسوا بتجار.

ج_ الشركة الفعلية والشركة الباطلة

عندما يستثمر شخصان أو أكثر، محلا تجاريا دون أن يكون قد حرر بذلك أي عقد فإن هذه الشركة تدعى بالشركة الفعلية، أما الشركة الباطلة فهي التي تخلف أحد أركانها الجوهرية         أو الشكلية، وبما أن الشركة التي تخضع للإفلاس أو التسوية القضائية، هي الشركة المتمتعة بالشخصية المعنوية، وهذه الأخيرة لا تتمتع بها الشركة إلا من تاريخ قيدها في السجل التجاري  فإن هذا المقتضى يمثل مانعا يمنع من تطبيق نظامي الإفلاس والتسوية القضائية على الشركة الفعلية (المادة 549 ق ت)[20].

أما الشركة الباطلة فيجوز شهر إفلاسها، إذ أن الشركة الباطلة التي زاولت نشاطها تعتبر أنها قامت في الماضي بوصفها شركة فعلية أو واقعية، ولهذه الشركة شخصية معنوية تبرر الحكم بشهرها[21]، بمعنى أن الشركة الباطلة حتى لو لم يتم شهرها مثلا، وزاولت نشاطها وكانت من الظاهر شركة صحيحة كاملة الأركان ومستوفية لجميع الشروط، فإنه يمكن شهر إفلاسها كما هي سواء شركة تضامن أو مساهمة...

د_ الشركة المنحلة

نصت المادة 766 ق ت على أنه:" تعتبر الشركة في حالة تصفية من وقت حلها مهما كان السبب، ويتبع عنوان واسم الشركة بالبيان التالي "شركة في حالة تصفية "، وتبقى الشخصية المعنوية للشركة قائمة لاحتياجات التصفية إلى أن يتم إقفالها..."

يتضح من نص المادة أن الشركة المنحلة وهي في حالة تصفية، تبقى محتفظة بشخصيتها المعنوية بسبب التصفية وحتى انتهاء العملية، وفي هذه الحالة ومن بين أهم نتائج احتفاظ الشركة بشخصيتها المعنوية إمكانية شهر إفلاسها وهي في حالة التصفية.

2_3_ الشركات المدنية والتعاونيات الحرفية

نصت المادة 439 من القانون المدني على أنه:" تنتهي الشركة بموت أحد الشركاء أو الحجر عليه أو بإعساره أو بإفلاسه...".

وعليه وباعتبار الشركة المدنية تخضع للقانون الخاص فإنها تخضع لنظام الإفلاس والتسوية القضائية لاسيما إذا اتخذت شكل شركة تجارية، وبالتالي إذا قامت بأعمال تجارية ثم توقفت عن دفع ديونها فإنه يجوز شهر إفلاسها[22].

وأما بالنسبة للتعاونيات الحرفية، وحسب نص المادة 11 من قانون الحرفي، فإن المؤسسة الحرفية عبارة عن شركة مدنية، ولكي تكتسب هذه المؤسسة صفة الحرفي فلابد من تسجيلها في سجل الصناعات اليدوية والحرف، وإذا كانت تمارس تلك الحرفة يتم في شكل مقاولة، فإنه فضلا عن تسجيلها في سجل الصناعات اليدوية والحرف فإنه يتم تسجيلها في المركز الوطني للسجل التجاري.

 

فيجوز حسب نص المادة 40 من القانون الأساسي للحرفي شهر إفلاس التعاونية الحرفية وتصفية أموالها قضائيا[23].

ثانيا_ التوقف عن الدفع

ورد في نص المادة 215 من ق ت:" يتعين على كل تاجر أو شخص معنوي خاضع للقانون الخاص ولو لم يكن تاجرا، إذا توقف عن الدفع..."، إذن يعتبر التوقف عن الدفع الشرط الموضوعي الثاني لشهر الإفلاس أو التسوية القضائية.

1_ مفهوم التوقف عن الدفع

يقصد بتوقف التاجر عن الدفع، هي حالة العجز وعدم القدرة على تسديد الديون التجارية التي تكون حال أجل سدادها، حتى لو كانت لديه أموال أو عقارات تكفي كل ديونه لكنه لا يملك في ميعاد سدادها السيولة الكافية لذلك، لأن الديون التجارية لا تمنح فيها المهل للتسديد.

وفي حالة التوقف عن الدفع لا يهم عدد الديون ولا قيمتها، فالأساس امتناع التاجر عن تسديد ديون حالة الأجل، تجارية، محددة المقدار والقيمة وغير متنازع عليها.

2_ تاريخ التوقف عن الدفع

حسب ما ورد في نص المادة 222 ق ت، فإنه تحدد المحكمة تاريخ التوقف عن الدفع في أول جلسة يثبت لها توقف التاجر فعليا عن تسديد ديونه، وذلك في نفس الحكم الذي تقضي فيه بالإفلاس أو التسوية القضائية.

وفي حالة عدم تمكن المحكمة من تحديد تاريخ التوقف عن الدفع، اعتبر تاريخ صدور الحكم هو نفسه تاريخ التوقف عن الدفع، كما أنه وحسب المادة 247 من ق ت، فإنه لا يجوز للمحكمة أن ترجع تاريخ التوقف عن الدفع إلى أكثر من ثمانية عشر شهرا تسبق تاريخ صدور الحكم بالإفلاس أو بالتسوية القضائية.

إضافة إلى أن القاعدة العامة هي أن تاريخ التوقف عن الدفع يحدد عند النطق بحكم الإفلاس أو التسوية القضائية، إلا أنه واستثناءا يمكن تعديل تاريخ التوقف عن الدفع بقرار تال للحكم الذي قضى بالتسوية القضائية أو الإفلاس، وحتى لو كان ذلك سابقا لقفل قائمة الديون حسب المادة 248 من ق ت.

ولكن إذا تم القفل النهائي لكشف الديون، فإنه لا يقبل أي طلب يهدف إلى تغيير تاريخ التوقف عن الدفع الذي تم تحديده مسبقا من قبل المحكمة المختصة، أو الذي تم تحديده بمقتضى حكم سابق أو تال للحكم أي أن القفل النهائي لكشف الديون، يجعل من تاريخ التوقف عن الدفع ثابتا ونهائيا حسب نص المادة 233 ق ت.

 

المطلب الثاني: الشروط الشكلية

تتضمن الشروط الشكلية لشهر الإفلاس أو التسوية القضائية، الحكم الصادر بذلك من المحكمة المختصة، وهو ما أكدت عليه المادة 225 ق ت بأنه:" لا يترتب الإفلاس ولا تسوية قضائية على مجرد التوقف عن الدفع بغير صدور حكم مقرر لذلك".

بمعنى أن الشخص المتوقف عن الدفع، لا يعتبر مفلسا إلا بصدور حكم بذلك، وهي القاعدة الأساسية، واستثناءا ما أخذ به المشرع فيما يخص الإفلاس الفعلي.

أولا_ الاختصاص النوعي

حسب قانون الإجراءات المدنية[24]، فإن المحكمة هي صاحبة الاختصاص العام في الفصل في جميع القضايا ومنها التجارية، وقد كان في قانون الإجراءات المدنية القديم يحيل الاختصاص إلى المحاكم المنعقدة في مقر المجالس القضائية، لكن بالأمر08/09 أنشأ ما يسمى بالأقطاب القضائية، وهي بمثابة أقسام تابعة للمحكمة، ولكن لها اختصاص نوعي في أن القضايا التي كانت من اختصاص المحاكم المنعقدة بالمجالس القضائية، أصبحت هذه الأقطاب هي صاحبة الاختصاص بالنظر فيها، ومنها قضايا الإفلاس والتسوية القضائية.

 

ثانيا_ الاختصاص المحلي

القاعدة العامة في قانون الإجراءات المدنية عند رفع الدعوى، تكون لدى المحكمة الواقع في دائرة اختصاصها مقر سكن المدعى عليه، لأن الدين مطلوب وليس محمول، ولكن ووفقا لنص المادة 40 من ق إ م التي نصت على استثناء وهو أنه:" في مواد الإفلاس أو التسوية القضائية للشركات وكذا الدعاوى المتعلقة بمنازعات الشركاء، أمام المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها مكان افتتاح الافلاس أو التسوية القضائية أو مكان المقر الاجتماعي للشركة".

وإضافة لذلك، فالاختصاص المحلي في قضايا الإفلاس أو التسوية القضائية لغير الشركات  يكون إما في:

_ محكمة المكان الذي يباشر فيه التاجر تجارته.

_ محكمة المكان الذي يقع فيه المحل الرئيسي للتاجر إذا كان له محل رئيسي.

_ محكمة المكان الذي يقع فيه مركز نشاطه القانوني إذا كان للتاجر عدة محال رئيسية تتعلق باستغلال واحد.

_ محكمة المكان الذي توقف فيه التاجر عن الدفع إذا كان للتاجر عدة محال رئيسية لا يتعلق كل منها بتجارة قائمة بذاتها.

_ محكمة آخر موطن تجاري في حالة اعتزال التاجر تجارته أو في حالة وفاته.

ثالثا_ طلب شهر الإفلاس

إن طلب شهر الإفلاس خوله المشرع لعدة أطراف لها الحق في ذلك وهم:

1_ المدين

نصت المادة 215 ق ت على لأنه:" يتعين على كل تاجر أو شخص معنوي... أن يدلي بإقرار في مدة خمسة عشر يوما قصد افتتاح إجراءات التسوية أو الإفلاس"، وهذا يعني أن للمدين الحق في تقديم طلب بشهر إفلاسه ولكن بشروط وهي:

_ تقديم تقرير بوضعيته المالية وذلك خلال 15 يوما من توقفه عن دفع ديونه.

_ إرفاق المدين للإقرار المقدم من قبله، بوثائق أشارت إليها المادة 218 ق ت، وهي:

_ الميزانية وحساب النتائج، وكذلك بيان التعهدات الخارجة عن ميزانية آخر سنة مالية أخرى.

_ بيان المكان.

_ بيان التعهدات الخارجية عن الميزانية.

_ بيان رقمي بالحقوق والديون مع إيضاح اسم وموطن كل من الدائنين مرفق ببيان أموال وديون الضمان.

_ جرد مختصر لأموال المؤسسة.

_ قائمة بأسماء الشركاء المتضامنين وموطن كل منهم إن كان الإقرار يتعلق بشركة تشتمل على شركاء مسؤولين بالتضامن عن ديون الشركة، ويتعين أن تؤرخ هذه الوثائق وأن يكون موقعا عليها مع الإقرار بصحتها ومطابقتها للواقع وذلك من طرف صاحب الإقرار.

فإن تعذر تقديم أي من هذه الوثائق أو لم يمكن تقديمها كاملة، تعين أن يتضمن الإقرار بيانا بالأسباب التي حالت دون ذلك.

بمعنى أن للمدين الحق في تقديم طلب شهر إفلاسه خلال 15 يوما من إعلان توقفه عن الدفع من أجل افتتاح إجراءات الإفلاس أو التسوية القضائية، فالدعوى تقام من قبل المدين كمدع ضد دائنيه كمدعى عليهم، وهو استثناء من القاعدة العامة في رفع الدعاوى التي تقتضي أن تقام من الدائن ضد المدين، وهذا يعتبر تقرير من المشرع على إبراز حسن نية المدين، الذي عادة ما يكون قد توصل على حالة التوقف عن دفع الديون لأسباب خارج عن إرادته، كهبوط أسعار النفط فجأة، وبهذا يكون المدين قد أبعد نفسه من خطر اعتباره مرتكبا لجريمة الإفلاس بالتقصير       أو بالتدليس، و يأمل في الاستفادة من إجراءات التسوية القضائية.

وكما يجوز للمدين طلب التسوية القضائية حتى ولو طلب دائنوه الإفلاس، وطلب الإفلاس من التاجر المدين هو خاص به شخصيا وليس لدائنيه أن يستعملوا حقه هذا باسمه بطريق الدعوى المباشرة.

وفي حالة التاجر المعنوي، فإن طلب الإفلاس يقدم من الممثلين القانونيين للشركة حسب المادة 224 ق ت ويجب أن يرفق الطلب بميزانية مدعمة بالبيانات الذكورة في المادة 218 ق ت.

2_ الدائنين

نصت المادة 218 ق ت على أنه يجوز افتتاح التسوية القضائية أو الإفلاس بناءا على تكليف بالحضور صادر من دائن مهما كانت طبيعة الدين، فيحق لكل دائن متى كان دينه حقيقيا وصحيحا، ومهما كانت قيمته وطبيعته مدنيا أو تجاريا، وكذا صفته عاديا أو ممتازا أو مضمونا برهن تقديم طلب بذلك.

وهذا الحق هو حق اختياري، لا يجوز التعسف في استعماله، وإذا ما حصل أن حكمت المحكمة على الدائن الذي استعمل هذا الحق، بتعويض عن الأضرار من أجل دعوى تعسفية  يكون السبب في ذلك أن المدعي الذي تصرف بسوء نية لم يستطيع إثبات حالة التوقف عن الدفع أما إذا ثبتت هذه الأخيرة، فليس للمحكمة التي قدم إليها الطلب، أن ترفضه، بل هي مرغمة على الحكم بشهر الإفلاس أو التسوية القضائية[25].

ويحق لكل دائن أن يتدخل بصفة شخصية في دعوى شهر الإفلاس المرفوعة من أحد الدائنين ولا يؤثر رجوع المدعي عن دعواه على هذا التدخل باعتبار أن الإفلاس لا ينحصر أثره على المدعي والمدعى عليه بل يتعداهما إلى جميع الدائنين.

وإن حق الدائنين في طلب الإفلاس أو التسوية القضائية لا يمكن الطعن فيه بالتعسف غير أنه في الحالات التي لا يتمكن الدائن من إثبات توقف التاجر عن الدفع، فإنه قد يتحمل التعويض الذي يمكن أن يحكم به القاضي لصالح التاجر المدين.

3_ المحكمة

تنص المادة 216/2 ق ت على أنه:" يمكن للمحكمة أن تتخذ إجراءات الإفلاس أو التسوية القضائية تلقائيا بعد الاستماع للمدين أو استدعائه قانونا حتى ولو لم يقدم لها طلب بذلك".

ويتضح من ذلك أن المشرع قد أعطى الحق للمحكمة في اتخاذ إجراءات الإفلاس أو التسوية القضائية تلقائيا وذلك خروجا عن الأصل العام، الذي يقضي بأنه ليس للمحاكم أن تفصل فيما لم يطلب منها كون الإفلاس أو التسوية القضائية من النظام العام وله حجية مطلقة ولا يتوقف على طرفي العلاقة فحسب، بل تنصرف آثاره إلى الغير، وللمحكمة الحق في القيام بذلك متى ثبت لها التوقف عن الدفع في الحالات التالية:

_ رفع الدعوى من غير ذي صفة.

_ انسحاب الدائن رافع الدعوى قبل صدور الحكم فيها.

_ دفع المدين ببطلان إجراءات الدعوى.

_ إبلاغ المحكمة بقيام حالة التوقف عن الدفع أو اكتشافها ذلك بأي طريق.

_ اختفاء المدين وإخفاءه لأمواله.

_ وفاة المدين وعدم رفع ورثته طلب شهر إفلاس مورثهم خلال سنة وفاته[26].  

إذن يحق للمحكمة أن تشهر إفلاس التاجر من تلقاء نفسها وذلك بعد الاستماع للمدين       أو استدعائه قانونا، وهذا النص يخالف القواعد العامة التي تقضي بأنه لا تحكم المحكمة بشيء لم يطلب منها، لذا كثيرا ما انتقد حق المحكمة في هذه المسألة، ولكن قيل أن تبرير هذا الحق أن أحكام الإفلاس من النظام العام، وعلى المحكمة أن تطبقها من تلقاء نفسها، فضلا عن أنه من واجبها أن تراعي مصلحة الدائنين الغائبين أو الذين منعتهم ظروفهم من تقديم الطلب إلى المحكمة شريطة أن يبقى هذا الحق إجراءا استثنائيا مبررا بظروف خاصة، ذلك أنه من الصعب على المحكمة معرفة توقف المدين عن الدفع والذي لم يعلن عنه من قبل أحد[27].

4_ النيابة العامة

لا ينص القانون التجاري على حق النيابة العامة في تقديم طلب الإفلاس، ولكن لها الحق في تحريك الدعوى العمومية بشأن الإفلاس التقصيري أو التدليسي باعتبارهما جريمة حسب نص المادة 225/2 من ق ت.

ولا تقوم النيابة العامة بدور كبير في الإفلاس بعد شهره ولكنها تراقب التفليسة من بعد حتى إذا تبين لها أية جريمة فيها استطاعت أن تحرك الدعوى العمومية. ولتمكين النيابة من القيام بهذه الوظيفة أوجب القانون على كاتب ضبط المحكمة التي أصدرت الحكم بشهر الإفلاس أو التسوية القضائية، أن يوجه فورا إلى النيابة ملخصا عن ذلك الحكم ويجب أن يتضمن هذا الملخص البيانات الرئيسية لتلك الأحكام ونصوصها.

كما أجاز القانون للنيابة العامة أن تتوجه إلى محل المفلس وتحضر عملية الجردـ ولها في كل وقت أن تطلب إيضاحات عن حالة الإفلاس وكيفية إدارة الوكيل المتصرف القضائي بل أن هذا الأخير سواء كان معينا من قائمة المتصرفين القضائيين أو كان غير مسجلا فيها يخضع لإشراف وتفتيش النيابة العامة أثناء ممارسة مهامهم، ويستوجب عليه في هذا الصدد أن يقدم كل المعلومات والوثائق الضرورية دون التمسك بالسر المهني للنيابة العامة[28].

رابعا_ صدور الحكم بشهر الإفلاس أو التسوية القضائية

1_ خصائص الحكم

1_1_ حكم مقرر

يتصف الحكم بالإفلاس أو التسوية القضائية، بأنه حكم معلن، لأنه يعلن أو يكشف عن وضعية كانت موجودة من قبل صدوره، وهي حالة التوقف عن الدفع، ولكن بما أن الإفلاس يمثل إجراء تصفية أموال يمارس ضد المدين الذي غلت يده وسقطت بعض حقوقه فالحكم أيضا منشئ لوضعية جديدة لم تكن موجودة قبل صدوره[29].

بمعنى أن الحكم بشهر الإفلاس أو التسوية القضائية، هو كقاعدة عامة حكم مقرر  لأن حالة الإفلاس كانت قائمة قبل الحكم وجاء هذا الأخير فقط ليقررها، إلا أن هذا لا ينفي أن الحكم بشهر الإفلاس ينشأ مراكز جديدة، وهو الاستثناء، كحالة غل اليد عن إدارة الأموال.

1_2_ حكم مشمول بالنفاذ المعجل

وهو ما أكدت عليه المادة 227 ق ت بأن جميع أحكام الإفلاس والتسوية القضائية معجلة التنفيذ رغم المعارضة أو الاستئناف، وذلك باستثناء الحكم القاضي بالمصادقة على الصلح، وقد أكد المشرع على مسألة النفاذ المعجل، وذلك لأجل المحافظة على أموال المدين المفلس من التصرف فيها، إضرارا بجماعة الدائنين.

1_3_ قاعدة لا إفلاس على إفلاس

تترجم قاعدة لا إفلاس على إفلاس، مبدأ وحدة الإفلاس، بمعنى أنه لا يمكن الحكم على المدين المفلس مرتين مادام ملف الإفلاس أو التسوية القضائية لم يغلق بعد، أي لا يجوز الحكم بشهر الإفلاس عدة مرات وفي نفس الوقت.

فلو فرضنا أن المفلس تم غلق ملف التفليسة لعدم كفاية أمواله، ومارس التجارة مرة ثانية وتوقف عن دفع ديونه، فإنه لا يجوز للدائنين الجدد طلب شهر إفلاسه ما لم تنتهي وبصفة نهائية ديون التفليسة الأولى، والتجار الجدد يستوفون ديونهم بعد الدائنين القدامى.

كما أنه هناك حالة التاجر الذي لديه عدة شركات في دول مختلفة، فإنه لتفادي إفلاس المدين أكثر من مرة في عدة دول خصوصا وأن قاعدة الإفلاس تختلف من دولة لأخرى فإنه يجب عقد اتفاقات بين الدول ينفذ كل منها حكم شهر الإفلاس الذي صدر من محاكم دولة متعاقدة أخرى بغير حاجة إلى صدور حكم جديد بشهر الإفلاس، أو إلى وضع أمر التنفيذ على الحكم الأجنبي[30].

1_4_ حكم ذو حجية مطلقة

القاعدة العامة هي أن للأحكام حجية نسبية، أي أنها لا تنتج أثرها إلا بين طرفي الدعوى والاستثناء هو ما يتضمنه الحكم بشهر الإفلاس والتسوية القضائية، حيث أن لهذا الحكم حجية مطلقة في مواجهة الجميع لأنه يتم نشره حسب نص المادة 228 ق ت، وهذا ما يعني أن لكل ذي مصلحة الحق في المعارضة على الحكم، لأنه لا يعود على أطراف الدعوى فقط بل هو يخاطب كل من مسه الحكم سواء في الأموال الحاضرة أو المستقبلية.

2_ مضمون الحكم وإجراءات نشره

يتضمن حكم شهر الإفلاس، فضلا عن إثبات شروط الإفلاس وهي توافر صفة التاجر في المدين وحالة التوقف عن الدفع والنطق بشهر الإفلاس، وذلك حسب المادة 228 ق ت ما يلي :

_ تعيين تاريخ التوقف عن الدفع وفي أول جلسة يصدر فيها الحكم المادة 222 ق ت.

_ تعيين قاضي منتدب من قضاة المحكمة لإشراف على إجراءات التفليسة منذ افتتاحها إلى غاية غلق الملف.

_ تعيين الوكيل المتصرف القضائي والمراقبين من قبل جماعة الدائنين لمراقبة التفليسة.

_ اتخاذ جميع التدابير التحفظية اللازمة، والتي تهدف إلى المحافظة على أموال المدين المفلس مثالها الأمر بوضع الأختام على المحل التجاري، التحفظ علة جميع المستندات وأرصدة المدين، وحتى إيداع المدين السجن في حالة ثبوت ارتكابه لجريمة الإفلاس بالتدليس.

وبعد صدور الحكم تسجل الأحكام الصادرة بشهر الإفلاس أو التسوية القضائية في السجل التجاري، ويجب بعدها إعلانها لمدة ثلاثة أشهر بقاعة جلسات المحكمة، وأن ينشر ملخص عنها في النشرة الرسمية للإعلانات القانونية للمكان الذي يقع فيه مقر المحكمة.

وكما يجب أن ينشر الحكم كذلك في الأماكن التي يكون فيها للمدين مؤسسات تجارية أخرى والمقصود هو فروع شركاته التجارية حيثما وجدت.

ويجري نشر البيانات التي تدرج بسجل التجارة، طبقا للفقرة الأولى من هذه المادة، في النشرة الرسمية للإعلانات القانوني خلال خمسة عشر يوما من النطق بالحكم، ويجب أن يتضمن الحكم ما يلي:

_ اسم المدين وموطنه أو مركزه الرئيسي.

_ رقم قيده في السجل التجاري وتاريخ الحكم الذي قضى بالتسوية القضائية أو بشهر الإفلاس.

_ رقم عدد صحيفة الإعلانات القانونية التي نشر فيها الملخص.

وتتم هذه الإجراءات من طرف كاتب الضبط.

وقد أضافت المادة 229 ق ت، أنه عندما لا تكون الأموال الخاصة بالتفليسة كافية على الفور لتغطية مصاريف التسوية القضائية أو شهر الإفلاس ولإعلان ونشر هذا الحكم في الصحف واللصق ووضع الأختام ورفعها، فإن هذه المصاريف قد يسبقها أحد الدائنين إذا كان هو الذي رفع الدعوى لدى المحكمة، وإذا كانت المحكمة هي التي تولت فصل القضية تلقائيا تسبق المصاريف الخزينة العامة.

ودائما ما توجه ملخصات عن جميع الإجراءات المتخذة وفورا إلى النائب العام حسب المادة 230 ق ت.

3_ طرق الطعن في حكم شهر الإفلاس أو التسوية القضائية

3_1_ الطعن بالمعارضة

وهو ما جاء في نص المادة 231 ق ت، بأن الحكم بشهر الإفلاس أو التسوية القضائية يمكن الطعن فيه بالمعارضة، وهي عشرة أيام اعتبارا من تاريخ الحكم، وبالنسبة للأحكام الخاضعة لإجراءات الإعلان والنشر في الصحف المعتمدة لنشر الإعلانات القانونية أو في النشرة الرسمية للإعلانات القانونية، فإن الميعاد لا يسري بشأنها إلا من إتمام آخر إجراء مطلوب، يعني أنه لا يكتفي بالمعارضة في الحكم فقط بل يجب نشره وإشهاره.

ومن جهة أخرى فإن القاعدة العامة هي الطعن بالمعارضة في جميع الأحكام والاستثناء هو ما ورد في نص المادة 232 ق ت، بأنه لا تخضع لأي طريق من طرق الطعن:

1_ الأحكام الصادرة طبقا للمادة 287 ق ت.

2_ الأحكام التي تفصل بها المحكمة في الطعون الواردة على الأوامر الصادرة من القاضي المنتدب في حدود اختصاصه.

3_ الأحكام بالإذن باستغلال المحل التجاري.

وقد حددت مدة المعارضة في حكم الإفلاس أو التسوية القضائية في المادة 231 ق ت، وهي عشرة أيام اعتبارا من تاريخ الحكم، وبالنسبة للأحكام الخاضعة لإجراءات الإعلان والنشر في الصحف المعتمدة لنشر الإعلانات القانونية أو في النشرة الرسمية للإعلانات القانونية، فإنه لا يسري الميعاد بشأنها إلا من إتمام آخر إجراء مطلوب.

 

 

 3_2_ الطعن بالاستئناف

نصت المادة 234 ق ت، على مهلة الاستئناف لأي حكم صادر في الإفلاس أو التسوية القضائية، وهي عشرة أيام اعتبارا من يوم التبليغ، ويفصل المجلس القضائي فيه خلال ثلاثة أشهر ويكون الحكم واجب التنفيذ بموجب مسودته.

ومهلة العشرة أيام في قضايا التفليسة تعتبر خروجا عن القواعد العامة في قانون الإجراءات المدنية، والتي تجعل مهلة الاستئناف بشهر من يوم التبليغ.

وإن كان قرار المجلس هو تأييد الحكم المستأنف فإنه يصبح حائزا لقوة الشيء المقضي فيه في مواجهة الكافة، أما إذا قضي بإلغائه فإن جميع آثاره تزول ويعود الوضع لما كان عليه قبل صدور الحكم وتسري هذه القواعد على جميع الأحكام التي تصدر في الدعوى الناشئة عن الإفلاس والتسوية القضائية[31].

3_3_ العدول عن الحكم أو تعديله

من المقرر في قانون الإجراءات المدنية، أنه ليس للمحكمة التي رفع أمامها المعارضة      أو الاستئناف أن تأخذ في اعتبارها ما يكون قد استجد من الوقائع بعد صدور الحكم المطعون فيه.

ومع ذلك فبالنسبة إلى حكم شهر الإفلاس استقر قضاء محكمة النقض على أنه يجب العدول عن حكم شهر الإفلاس أو تعديله، إذا أقام المفلس بعد الحكم بإنهاء حالة التوقف عن الدفع ودفع ديونه، وعلى ذلك فيجب على المحكمة التي رفع إليها الاستئناف أو المعارضة في حكم شهر الإفلاس، أن تأخذ الواقع في اعتبارها عند الفصل في الدعوى فتنهي حكم شهر الإفلاس أو تعدله حسب الظروف[32].

 

المطلب الثالث: أشخاص التفليسة

نتعرض في هذا المطلب إلى أشخاص أو هيئة التفليسة، وهم أطراف يتكرر ذكرهم في ملف الإفلاس والتسوية القضائية، مادام المدين لم يسدد ديونه، وهم على التوالي:

أولا_ المدين

يؤدي الحكم المعلن للإفلاس بقوة القانون، إلى غل يد المدين المفلس عن إدارة كل أمواله الحاضرة والمستقبلية، فالمفلس لا يلعب أي دور شخصي في الإجراءات، بل يستبدل بوكيل التفليسة الذي يمثله[33]، أي أن المفلس لا يقوم بأي دور شخصي في التفليسة إلا عن طريق الوكيل المتصرف القضائي، فدوره يتمثل في حضور عملية الجرد مثلا، أو يتم استدعاءه إذا دعت الضرورة ذلك كتوضيح بعض الحسابات الخاصة بتجارته.

ويختلف مركز المدين في الإفلاس عنه في التسوية القضائية، حيث أن المدين في الإفلاس تغل يده تماما عن إدارة أمواله، ويحل محله الوكيل المتصرف القضائي، فقط المدين يمكن له تقديم مساعدة للوكيل وحسب الضرورة بناءا على نص المادة 242 ق ت، وذلك تسهيلا لتسيير الإفلاس وكل ذلك بناءا على أمر من القاضي المنتدب.

وبما أن المدين يده مغلولة عن إدارة أمواله، فيمكن له أن يحصل على معونة له ولأسرته من الأصول، يحددها القاضي المنتدب، وذلك بناء على اقتراح من وكيل التفليسة.

وأما في التسوية القضائية، فإن المدين يعتبر كالمفلس قانونا، ولكن غل اليد هنا لا يقصد به استبدال المدين بالوكيل المتصرف القضائي، وإنما مساعدته من طرف هذا الأخير مع ملاحظة أن هذه المساعدة إجبارية، وهو ما قضت به الفقرة الثالثة من المادة 244 ق ت[34].

ثانيا_ جمعية الدائنين

تتشكل جماعة الدائنين تلقائيا بمجرد صدور الحكم بشهر الإفلاس أو التسوية القضائية بقوة القانون وتتكون هذه الجماعة من جميع الدائنين العاديين والدائنين أصحاب الامتياز العام، الذين نشأت ديونهم قبل الحكم، أما الدائنون المرتهنون وأصحاب الامتياز الخاص  فلا يدخلون ضمن جماعة الدائنين إلا على سبيل التذكير أو المراجعة فقط، لأن حقوقهم مؤمنة بضمانات خاصة تخولهم حق استيفائها من الأموال التي يقع عليها حق الرهن أو الامتياز أو التخصيص، وبموجب هذه الضمانات يوقف هذا المال لأجلهم، ويحق لهم التنفيذ عليه دون أن يكون للحكم بشهر الإفلاس أي أثر[35].

ومع العلم أن الدائنين الجدد، والذين ترتبت على المدين ديون جديدة، بعد صدور الحكم بشهر الإفلاس أو التسوية القضائية، فإنهم لا يدخلون ضمن جماعة الدائنين.

وبمعنى آخر، أن التركيبة القانونية لهذه الجماعة تكون من الدائنين الذين نشأت ديونهم قبل صدور الحكم بشهر الإفلاس أو التسوية القضائية، وهي كتالي:

_ دائنون عاديون لا يملكون أي حق امتياز، ويستنفذون ديونهم عن طريق ما يسمى بقسمة الغرماء.

_ الدائنون أصحاب الامتياز العام، ويعود سبب تشبيه أصحاب الامتياز العام إلى الدائنين العاديين إلى اتحاد مصالحهم بشكل يسمح انضمامهم في جماعة واحدة، فأصحاب حقوق الامتياز العام لا يعتمدون في استيفاء حقوقهم على مال معين من أموال المدين، وإنما يرد امتيازهم على جميع أموال المدين ويتمتعون بحق الأولوية، أما الدائنون ذوو الرهون الصحيحة، فلا يقيدون ضمن جماعة الدائنين إلا على سبيل المراجعة، والسبب في ذلك أن الدائن المرتهن يشبه صاحب الامتياز الخاص من حيث اختصاص كل منهما بمال معين من أموال المدين، وهذا ما يميزهما عن الدائن العادي والدائن صاحب الامتياز العام، لذا فمصلحتهم تتعارض مع مصلحة هؤلاء الدائنين فلا تسري عليهم الأحكام التي يخضع لها هؤلاء ولا تلزمهم القرارات التي تتخذها، ويجوز لهم رفع دعاوى على التفليسة واتخاذ إجراءات التنفيذ على الأعيان التي تضمن حقوقهم، ومع ذلك يجوز للدائنين المرتهنين أو الممتازين الاشتراك في التفليسة للاحتفاظ بحقوقهم في حالة عدم كفاية الأعيان بالرهن أو الامتياز للوفاء، لأن من حقهم الدخول في التفليسة بالباقي لهم بصفتهم دائنين عاديين، فتسري عليهم الأحكام التي يخضع لها الدائنون في الجماعة[36].

و هذه الجماعة يمثلها الوكيل المتصرف القضائي في دعاواها، سواء مدعية أو مدعى عليها وقد قرر المشرع ضم الدائنين في جماعة واحدة، منعا للإخلال بمبدأ المساواة بين الدائنين من جهة، ومنعا للدائنين من التزاحم عند التنفيذ من جهة أخرى، وأما الطبيعة القانونية لجماعة الدائنين فتتحدد كما يلي:

_ أثار تحديد الطبيعة القانونية لجماعة الدائنين جدلا فقهيا، حيث يرى جانب من الفقه إلى أن هذه الجماعة ما هي إلا شركة وأن إجراءات شهر إفلاسها هي نفسها إجراءات شهر الحكم نفسه.

ولكن انتقد هذا الرأي، كون الشركة لا يمكن أن تتأسس إلا بتقديم الحصص من قبل الشركاء قصد تكوين رأسمالها في حين لا يقدم الدائنون في التفليسة أي شيء لجمعية الدائنين، لأنهم يبقون مالكون لديونهم كما أنه لا يمكن القول بوجود شركة يجبر الشركاء على تأسيسها.

_ وعليه ذهب جانب آخر من الفقه، إلى القول بأنها جمعية تنشأ بقوة القانون، ولكن انتقد هذا الرأي أيضا بسب اختفاء إرادة مؤسسيها وعدم تمام الإجراءات الإدارية التي قررتها السلطة العامة حيث يتطلب إنشاء أي جمعية ذلك.

_ وكلا الرأيين يتفقان في أن جماعة الدائنين تتمتع بالشخصية المعنوية ممثلة في شخص وكيل التفليسة ولكن الإقرار بالشخصية المعنوية، يعني التمتع بذمة مالية مستقلة وجماعة الدائنين ليست لها ذمة لانعدام الحصص المالية، لأن الذمة المالية تبقى ملكا للمدين المفلس رغم غل اليد بل تكون تحت إشراف ومراقبة الوكيل المتصرف القضائي.

والرأي الراجح يذهب إلا أن جماعة الدائنين هي مؤسسة خاصة بالقانون التجاري، لأنها تتكون إجباريا ويحكمها نظام قانوني خاص، فشروط تكوينها وتنظيمها محددة من قبل القانون[37].

 

وفي نفس السياق، يمكن القول بأن جماعة الدائنين هي تجمع قانوني حددت شروطه من قبل القانون التجاري، فهي بمثابة مؤسسة تجارية لها وضع خاص، لأنها تتكون من جماعة الدائنين إجباريا، يحكمها تنظيم قانوني خاص، ولا يسيرها الدائنون، وإنما يسيرها الوكيل المتصرف القضائي، كما أن جمعيتها العامة والتصديق على قراراتها يخضع لأحكام القانون التجاري.

 

ويرجع تشبيه المشرع الجزائري لدائنين أصحاب الامتياز العام بالدائنين العاديين إلى وحدة مصالحهم بشكل يسمح لهم بانضمامهم إلى جماعة واحدة، لأن امتياز أصحاب حقوق الامتياز العام يرد على جميع أموال المدين وهم بذلك يتمتعون بحق الأولوية والأفضلية.

 

أما الدائنون ذوو الرهون الصحيحة، فلا يقيدون ضمن جماعة الدائنين إلا على سبيل المراجعة والتذكير.

 

والسبب في ذلك أن الدائن المرتهن يشبه صاحب الامتياز الخاص من حيث اختصاص كل منهما بمال معين من أموال المدين، ويجوز لهم رفع الدعاوى على التفليسة واتخاذ إجراءات التنفيذ على الأعيان التي تضمن حقوقهم، كما يجوز لهم الاشتراك في التفليسة للاحتفاظ بحقوقهم في حالة عدم كفاية الأعيان المحملة بالرهن أو الامتياز للوفاء، وذلك بصفتهم دائنين عاديين في الباقي من حقوقهم، ويخضعون للأحكام التي يخضع لها الدائنون في الجماعة.

 

ثالثا_ الوكيل المتصرف القضائي

الوكيل المتصرف القضائي (وكيل التفليسة سابقا)، هو الشخص الذي يعين بموجب الحكم الصادر بالإفلاس أو التسوية القضائية، وذلك حسب المادة 4 من الأمر المنظم لمهنة الوكلاء المتصرفون القضائيون[38]، فله إدارة التفليسة والتصرف في أموال المدين وذلك بعد غل يده، بصفته وكيلا وممثلا عن جماعة الدائنين من جهة وفي نفس الوقت عن المدين من جهة أخرى، فهو بمثابة همزة وصل بين الطرفين، عليه المحافظة على مصالح الطرفين.

 

وكان المشرع قد استبدل تسمية وكيل التفليسة بالوكيل المتصرف القضائي، وذلك بموجب الأمر 96/23 الذي ألغى المادة 238 قانون تجاري، والتي كانت توكل هذه المهمة لأحد كتاب ضبط المحكمة.

ويتم تعيين الوكيل المتصرف القضائي من بين الأشخاص المسجلين في القائمة التي تعدها اللجنة الوطنية، وذلك بناءا على نص المادة 9 من الأمر السالف الذكر، حيث تتكون اللجنة من:

_ قاضي من المحكمة العليا، رئيسا.

_ قاضي من مجلس المحاسبة، عضوا.

_ قاضي حكم من المجلس القضائي، عضوا.

_ قاضي حكم من المحكمة، عضوا.

_ عضو من المفتشية العامة للمالية، عضوا.

_أستاذ في الحقوق أو العلوم الاقتصادية أو الاجتماعية، عضو.

_ خبيرين في الميدان الاقتصادي أو الاجتماعي، عضوين.

_ ثلاثة وكلاء متصرفين قضائيين، أعضاء.

و يكون الوكيل المتصرف القضائي أحد الثلاث:

_ محافظ الحسابات.

_ خبير محاسب.

_خبير مختص في الميادين العقارية أو الفلاحية أو التجارية أو البحرية.

ويجب أن يكون لهؤلاء تجربة خمس (05) سنوات على الأقل طبقا للمادة 06 من الأمر السابق.

فضلا عن إخضاعهم لتكوين يناسب المهام الملقاة على كاهلهم وهذا كله يرجع لضمان صحة أعمال التفليسة، وحتى لا تتعرض مصالح المدين المفلس وكذا الدائنين للضرر.

وبالرجوع للمادة 6 و8 من نفس الأمر، فإنه للمحاكم و بصفة استثنائية و بأمر مسبب لها الحق في تعيين الوكلاء المتصرفين القضائيون من بين الأشخاص الطبيعيين المتمتعين بتأهيل خاص، شريطة ألا يكونوا قد منعوا من ممارسة إحدى المهن المنصوص عليها لتعيين الوكيل المتصرف القضائي أصليا.

وتجدر الإشارة، إلى أنه يجوز عزل الوكيل المتصرف القضائي بطلب من المفلس أو أحد دائنيه   أو المراقبين أو القاضي المنتدب أو حتى من المحكمة ومن تلقاء نفسها، في حالة إخلاله بإحدى مهامه أو قيامه بتصرفات تضر بالمدين أو بالدائنين كامتلاكه شيء من أموال المدين  والتي محظور عليه ذلك حسب المادة 19 من الأمر السالف الذكر.

ويؤدي الوكلاء المتصرفون القضائيون بمجرد تسجيلهم في القائمة اليمين أمام المجلس القضائي الذي يتبع محل إقامتهم المهنية، كما يؤدي اليمين الأشخاص المعنيون من طرف القاضي أمامه اليمين حسب نص المادة 16 من نفس الأمر.

ونشير كذلك إلى أنه يحضر على الوكيل المتصرف القضائي الجمع بين التسوية القضائية والإفلاس في نفس القضية المادة 9 من الأمر.

وتتمثل مهام الوكيل المتصرف القضائي بناءا على نصوص القانون التجاري فيما يلي:

1_ القيام بوضع ميزانية حسب نص المادة 256 ق ت، إذا لم يودعها المدين فيقوم الوكيل المتصرف القضائي بذلك فورا مستعينا بالدفاتر والمستندات الحسابية والأوراق والمعلومات التي يحصل عليها ثم يودعها بكتابة ضبط المحكمة.

2_ يجري الوكيل المتصرف القضائي عملية جرد أموال المدين المفلس، تطبيقا لنص المادة 264 ق ت، وذلك بحضور المدين بعد استدعائه قانونا بموجب رسالة موصى عليها وذلك بتحرير محضر في نسختين إحداهما يتم إيداعها لدى أمانة ضبط المحكمة المختصة والثانية تبقى لدى الوكيل المتصرف القضائي.

3_ بالرجوع لنص المادة 253 ق ت، فإن الوكيل المتصرف القضائي يقوم وبحضور المدين بقفل الدفاتر التجارية وحصرها، بعدما قدمها المدين خلال 48 ساعة من استدعائه.

4_ يقوم بكافة الإجراءات اللازمة لحفظ حقوق المدين ضد مدينه، كما يقوم باتخاذ جميع الإجراءات التحفظية وخاصة قيد الرهون التي لم يطلبها المدين بعد حتى ولو تم القيد باسم جماعة الدائنين من طرف الوكيل المتصرف القضائي، أما إذا كان الحكم يتعلق بالتسوية القضائية، فيجوز للمدين بمعونة الوكيل المتصرف القضائي، أن يباشرها لوحده بإذن من القاضي المنتدب[39].

5_ يقدم الوكيل المتصرف القضائي تقريرا للقاضي المنتدب، خلال شهر من استلام مهامه حول الوضعية الظاهرة للمدين وأسباب وخصائص هذه الوضعية، حسب نص المادة 257 ق ت.

6_ اقتراح معونة للمفلس ولأسرته، حسب نص المادة 242 ق ت.

7_ يقوم الوكيل المتصرف القضائي بتحصيل ديون المفلس التي حل أجلها، المادة 268 ق ت وهذا أمر منطقي، فكما عليه ديون له ديون لدى الغير من الواجب تحصيلها لضمها ضمن الذمة المالية له والتي تساعد في تسديد ديونه.

 أما في التسوية القضائية فيباشر المدين بنفسه تحصيل السندات والديون بمجرد حلول أجلها وذلك بمعونة من الوكيل المتصرف القضائي، فإن لم يقم بذلك جاز للوكيل المتصرف القضائي تحصيلها بمفرده بعد إذن من القاضي المنتدب.

8_ بناءا على نص المادة 268 ق ت، يشرع الوكيل المتصرف القضائي ببيع الأشياء المعروضة للتلف القريب أو لانخفاض قيمتها أو التي يكلف حفظها ثمنا باهظا، ذلك بعد الحصول على إذن من القاضي المنتدب وإلا كان البيع باطلا.

وقد أضافت المادة 269 ق ت، إلى أن الوكيل المتصرف القضائي يباشر ببيع باقي الأموال المنقولة أو البضائع، إذا أذن القاضي المنتدب بذلك، وبعد سماع المدين أو استدعائه برسالة موصى عليها، على أن تودع الأموال الناجمة عن البيوع والتحصيلات في الخزينة العامة فورا ويقدم إثبات الإيداع إلى القاضي المنتدب في مدة 15 يوما من التحصيل.

9_ يمارس الوكيل المتصرف القضائي جميع حقوق ودعاوى المفلس المتعلقة بذمته المالية طيلة مدة التفليسة، إلا أنه يجوز للمفلس التدخل في الدعاوى التي يخاصم فيها الوكيل المتصرف القضائي.

أما في حالة التسوية القضائية فإن المدين يمكنه بمعونة الوكيل المتصرف القضائي أن يرفع أو يتابع أية دعوى منقولة أو عقارية، إلا أنه إذا رفض رفع الدعوى فإن الوكيل المتصرف القضائي يمكنه رفعها بشرط أن يدخل المدين فيها، المادة 273 و274 ق ت[40].

10_ بناءا على نص المادة 270 ق ت، يجوز لوكيل التفليسة وبإذن من القاضي المنتدب وبعد سماع المدين أو استدعائه برسالة موصى عليها، أن يقوم بالتصالح والتحكيم وذلك في كافة المنازعات التي تعني جماعة الدائنين، بما فيها المنازعات المتعلقة بحقوق أو دعاوى عقارية، لكن إذا كان موضوع التحكيم أو الصلح غير محدد القيمة أو تجاوزت قيمته اختصاص المحكمة في الدرجة الأخيرة، وجب عرضه على المحكمة للتصديق ويستدعى المفلس عند التصديق ويكون له دائما حق المعارضة عليه.

وفي حالة التسوية القضائية، يجوز للمدين وبمساعدة الوكيل المتصرف القضائي وبعد حصوله على إذن من قاضي المنتدب، القيام بكافة إجراءات التخلي والعدول أو القبول وكذلك التحكيم والمصالحة بشرط ألا تتجاوز قيمة الحق اختصاص المحكمة التي تنظر في الدعوى في الدرجة الأخيرة. أما إذا كان موضوع التحكيم أو المصالحة غير محدد القيمة أو تجاوزت قيمته اختصاص المحكمة في الدرجة الأخيرة، فلا يعتبر التحكيم أو المصالحة إلزاميا إلا بعد التصديق عليه من طرف المحكمة، ويكون لكل دائن الحق في التدخل عند طلب التصديق المادتان 275 و276 ق ت[41].

11_ حسب المادة 277 ق ت، يجوز لوكيل التفليسة استغلال المحل التجاري ولا يكون له هذا إلا بعد إذن المحكمة بناء على تقرير القاضي المنتدب، وبإثبات أن المصلحة العامة         أو مصلحة الدائنين تقضي بضرورة ذلك، وهذا في حالة الإفلاس.

وأما في حالة التسوية القضائية، وبمعونة وكيل التفليسة وإذن القاضي المنتدب، متابعة استغلال مؤسسته التجارية والصناعية.

أما الأعمال التي يحظر على الوكيل المتصرف القضائي القيام بها، وبناءا على نص المادة 30 من الأمر رقم 96/23، هي كالتالي:

1_ استعمال المبالغ أو السندات أو الأوراق المودعة إليه بأية صفة كانت في غير الاستعمال المخصص لها ولو بصورة مؤقتة.

2_ الاحتفاظ ولو في حالة المعارضة بالمبالغ أو السندات أو الأوراق التي يجب دفعها إلى قباضات الضرائب والخزينة.

3_ العمل على توقيع سندات أو اعترافات بدين دون أن يذكر فيها اسم الدائن.

4_ يخضع الوكيل المتصرف القضائي عند ممارسة مهامه بصفة رئيسية أو إضافية إلى التفتيش من طرف النيابة العامة، ويلتزم بتقديم كل المعلومات لها والوثائق دون التمسك بالسر المهني المادة 17/02 من الأمر رقم 96/23.

وفي الأخير يجب الإشارة إلى أنه يمكن للقاضي المنتدب تعيين عدة وكلاء متصرفين قضائيين حسب حجم ملف التفليسة، فيتم في هذه الحالة تقسيم العمل بينهم، وكما يجوز لوكلاء التفليسة إنابة بعضهم البعض، وكما يتلقون أجورهم بناءا على تقدير من القاضي المنتدب ويحصلون عليه من أموال التفليسة ويكون لهم الامتياز المقرر للمصاريف القضائية التي أنفقت لمصلحة جميع الدائنين في حفظ أموال مدينهم وبيعها، لذلك فهو يأخذ أجره قبل التوزيعات على الدائنين.

رابعا_ القاضي المنتدب

 يعين القاضي المنتدب في بداية كل سنة قضائية بأمر من رئيس المجلس القضائي بناءا على اقتراح من رئيس المحكمة حسب نص المادة 235/01 ق ت. وتتمثل أهم مهامه وذلك استخلاصا من نصوص مواد القانون التجاري في ما يلي:

1_ المادة 315 ق ت، رئاسة جمعية الدائنين.

2_ المادتين 240 و241 ق ت، تعيين المراقبين وعزلهم.

3_ التحقق من الوضعية الحقيقية للمدين المفلس، عن طريق جمع المعلومات عنه وعن دائنيه.

4_ المادة 239 ق ت، يقوم القاضي المنتدب بالفصل في نزاعات وكيل التفليسة مع الدائنين.

5_ المادتان 269 و270 ق ت، الإذن للوكيل المتصرف القضائي بمباشرة بيع الأموال المنقولة أو البضائع أو العقارات، وكذا الإذن له بإجراء التحكيم أو التصالح في كل منازعات الدائنين.

6_ المادة 277 ق ت، الإذن للمدين بمواصلة نشاطه التجاري أو التوقف التام عنه وحتى الإذن لمؤسسته التجارية بمواصلة النشاط أو التوقف عن ذلك.

7_ إرسال تقارير مفصلة عن للمحكمة وكذا للنيابة العامة عن كل مرحلة من مراحل ملف التفليسة.

8_ إجراء تحقيق كامل للوصول إلى الوضعية الحقيقة لأصول وخصوم الذمة المالية للمدين وذلك من خلال سماعه، أو سماع الدائنين أو أي شخص آخر.

9_ منح الموافقة على منح المدين المفلس للإعانة المعيشية له ولأسرته.

10_ الأمر بأن يحل الورثة محل المفلس أو إنابته في الحضور عند استدعائه لحضور إجراءات الإفلاس أو التسوية القضائية، حسب نص المادة 236 ق ت.

وفي الأخير تجدر الإشارة إلى أن أوامر القاضي المنتدب تدع لدى كتابة ضبط المحكمة، وللأطراف المعنية حق المعارضة خلال 10 أيام من حصول الإيداع، ولكن بعد فصل المحكمة في هذه المعارضة لا يجوز الطعن في هذا الحكم من جديد وذلك حسب نص المادة 232 ق ت.

وكما يمكن للمحكمة أن تنظر تلقائيا في أوامر القاضي المنتدب، فتعدلها أو تبطلها خلال 10 أيام من إيداعها لدى كتابة ضبط المحكمة المختصة المادة 237 ق ت.

خامسا_ المراقبين

قرر المشرع وفي نص المادة 240 ق ت، على أنه من حق القاضي المنتدب أن يأمر بتعيين مراقب أو اثنين من بين الدائنين، ولا يجوز أن يعين مراقبا أو ممثلا لشخص معنوي معين كمراقب أي قريب أو نسيب للمدين لغاية الدرجة الرابعة.

وتتمثل مهام المراقبين بناءا على نص المادة 241 فيما يلي:

1_ فحص الحسابات وبيان الوضعية المقدمة من المدين.

2_ مساعدة القاضي المنتدب في مهمته بمراقبة أعمال الوكيل المتصرف القضائي.

3- التحقق من الحالة المالية التي قدمها المفلس عن نفسه.

4_ التحقق من سير إجراءات التفليسة ومن صحة ما تحصل لحساب المفلس أو صرف من حسابه.

5_ إبداء الرأي والمشورة للوكيل المتصرف القضائي في كل الدعاوي.

وكما تجدر الإشارة إلى أنه يمكن للقاضي المنتدب عزل المراقبين بناءا على رأي أغلبية الدائنين، كما أنهم يقومون بعملهم مجانا.

 

 

سادسا_ المحكمة

لا تنتهي مهمة المحكمة بصدور حكم الإفلاس وإنما تتمتع بالرقابة على شؤونه، وما القاضي المنتدب إلا أحد قضاتها، فرئيس محكمة الإفلاس هو الذي يقترح على رئيس المجلس القضائي تعيين القاضي المنتدب، وينوب هذا الأخير عن المحكمة في الإشراف على أعمال التفليسة وتسيير شؤونها، ولمحكمة الإفلاس أن تعدل في حدود القانون تاريخ التوقف عن الدفع بقرار تال للحكم الذي صدر بشهر الإفلاس والتسوية القضائية وسابق على قفل قائمة الديون[42].

ومن ضمن مهام هذه المحكمة كذلك، الإشراف على التسوية القضائية، وهذا في حالة تحول الإفلاس إلى تسوية قضائية، وذلك بناءا على حكم، سواء من تلقاء نفسها لأنه يتعلق بالنظام والآداب العامة، أو بناءا على طلب الوكيل المتصرف القضائي أو حتى الدائنين وذلك استنادا إلى تقرير القاضي المنتدب، بعد سماع المدين أو دعوته للحضور قانونا بموجب رسالة موصى عليها.

سابعا_ النيــابة العــامة

يتمثل عمل النيابة العامة بعد إصدار الحكم بشهر الإفلاس أو التسوية القضائية في مراقبة التفليسة، في حالة ما تبين لها ارتكاب أي جريمة أثناء إجراءات التفليسة، وذلك في تحريك الدعوى مباشرة.

وكما أنها تبقى باتصال مع الهيئات القضائية المختصة بملف التفليسة، وذلك عن طريق تلقيها لتقارير ومحاضر وملخصات ترسل من قبل كتابة ضبط المحكمة، عن كل إجراء تتخذه هذه الأخيرة.

وللنيابة العامة جوازا التوجه إلى محل المفلس وحضور عملية الجرد، ولها أن تطلب إيضاحات حول حالة الإفلاس وكيفية إدارة الوكيل المتصرف القضائي في أي وقت.

وكما أشرت سابقا وفي تعرضي للوكيل المتصرف القضائي، فإن النيابة العامة تشرف على هذا الأخير وتراقبه، كما لها أن تقوم بعملية التفتيش أثناء ممارسة مهامه، ويتوجب عليه أن يقدم كل المعلومات والوثائق الضرورية دون التمسك بالسر المهني تجاهها.

 

الفصل الثاني: آثار الحكم بشهر الإفلاس و التسوية القضائية

نتعرض في هذا الفصل إلى آثار الحكم بشهر الإفلاس والتسوية القضائية والمتمثلة أساسا في آثار تعود على المدين المفلس، وهي غل اليد وإدارة أمواله من قبل الوكيل المتصرف القضائي  وكذا آثار تعود على جماعة الدائنين وهي فترة الريبة والتي نتعرض فيها لتصرفات باطلة وإلى تصرفات يجوز إبطالها، وأخيرا جرد أموال المدين والتحقيق في أموال المدين.

المبحث الأول: آثار الإفلاس والتسوية القضائية على المدين

المبحث الثاني: آثار الإفلاس والتسوية القضائية على الدائنين

     المبحث الثالث: آثار الإفلاس والتسوية القضائية على الدائنين ذوي الحقوق الخاصة

المبحث الرابع: إجراءات الإفلاس أو التسوية القضائية

المبحث الأول: آثار حكم شهر الإفلاس والتسوية القضائية على المدين

نتعرض إلى نقطتين في غاية الأهمية وهما: غل اليد، وإدارة أموال المدين.

 

المطلب الأول: غل اليد

يتم غل يد المدين بقوة القانون وذلك بمجرد صدور الحكم بشهر الإفلاس وذلك ما تقضي به صراحة المادة 244/1 ق ت على أنه "يترتب بحكم القانون على الحكم بشهر الإفلاس ومن تاريخه، تخلي المفلس عن إدارة أمواله أو التصرف فيها، بما فيها الأموال التي قد يكتسبها بأي سبب كان، وما دام في حالة الإفلاس".

    يتبين لنا من نص المادة أن صدور الحكم بشهر الإفلاس يجعل المدين مباشرة في وضعية غل اليد، وهذه الأخيرة لا تحتاج إلى أي إجراء آخر لإقرارها، وذلك حماية للدائنين من عبث المدين، وإقامة المساواة بينهم، وكذا حماية للمدين نفسه، لأن التاجر عندما يكون في وضعية مالية محرجة، قد يتصرف ببعض التصرفات التي قد تضر بذمته المالية.

ويحدث غل اليد بقوة القانون فور صدور الحكم بشهر الإفلاس، أما إذا لم يصدر حكم بشهر الإفلاس فلا محل لغل اليد حتى ولو ثبت للمحكمة توقف المدين عن دفع ديونه المستحقة.

ويظل غل اليد قائما حتى انتهاء التفليسة، وذلك بقيام حالة الاتحاد أو الصلح أو عن      طريق التخلي عن الأموال للدائنين، أما إذا أقفلت التفليسة لعدم كفاية أموالها فيظل غل اليد قائما  لأن حالة الإفلاس مازالت قائمة، أما إذا عاد المدين على رأس تجارته بسبب التسوية القضائية    أو إذا ما آلت إليه الأموال بأي طريق مشروع وتمكن بواسطتها من سداد ديونه  ففي هذه الحالة يستعيد أمواله بالحالة التي عليها لأن انتهاء غل اليد ليس له أثر رجعي[43].

وقاعدة غل اليد تفسر قانونا بعدم التمسك تجاه جماعة الدائنين بالتصرفات المبرمة من     طرف المدين بعد إعلان إفلاسه، وهذه القاعدة تطبق في حالة قبول المدين في التسوية القضائية مثلما تطبق في حالة إفلاسه. إلا أنه يجب الأخذ بعين الاعتبار أن المدين غير ممثل، وإنما مساعد من طرف الوكيل المتصرف القضائي، مما يجعل غل اليد أقل ظهورا في التسوية القضائية وتصرفاته المبرمة دون مساعدة الوكيل المتصرف القضائي كالتصرفات المبرمة من قبل المفلس، لا يمكن التمسك بها تجاه جماعة الدائنين، أما التصرفات التي يبرمها بمساعدة الوكيل المتصرف القضائي، فتعتبر كالتصرفات المبرمة من طرف هذا الأخير[44]

أولا_ طبيعة غل اليد

وأما بالنسبة للطبيعة القانونية لغل اليد، فإن الكثير ذهب إلى اعتبار المدين في هذه الفترة عديم الأهلية، ولكن في حقيقة الأمر لا يعتبر غل اليد بمثابة عارض من عوارض الأهلية بل يظل المفلس في هذه الفترة يتمتع بكامل أهليته بعد شهر إفلاسه.

غير أن تصرفات المدين المفلس في مرحلة الإفلاس لا تنفذ في مواجهة جماعة الدائنين، ويعود السبب في ذلك إلى أن غل اليد يعتبر بمثابة حجز شامل لأموال المدين المفلس بمجرد صدور الحكم بشهر الإفلاس، وهذا الحجز يكون لمصلحة جماعة الدائنين بمجرد صدور الحكم  بشهر الإفلاس، ويترتب عليه أنه لا يحق للمدين المفلس التصرف في أمواله بأي حال من الأحوال، وإن قام بغير ذلك فإن تصرفه خلال فترة غل اليد، لا يحتج بها على جماعة الدائنين.

ويمكن القول كذلك، أن المفلس يظل مالكا لأمواله رغم غل يده عنها، وتفريعا على ذلك إذا بيعت أموال المفلس نتيجة لاتحاد الدائنين، فإن ملكية هذه الأموال تنتقل رأسا من المفلس إلى المشتري، وإذا كانت هناك زيادة في الثمن على حقوق الدائنين كانت هذه الزيادة للمفلس[45].

ثانيا_ آثار غل اليد على أموال وتصرفات المدين

هناك تصرفات وأعمال يقوم بها المدين المفلس تقع تحت طائلة غل اليد، وكذا أموال     حاضرة أو مستقبلية لا يمكن له أن يتصرف فيها، بالإضافة إلى أموال لا تدخل في إطار غل اليد نتعرض لها كالتالي:

1_ الأعمـال والتصرفـات الـتي يشملـها غـل اليـد

الأصل أن غل اليد يشمل جميع الأعمال القانونية التي يقوم بها المفلس بعد صدور حكم شهر الإفلاس، وتتمثل عموما التصرفات التي يمنع على المدين القيام بها كالتالي:

_ طبقا لنص المادة 244 ق ت، تخلي المفلس عن إدارة أمواله أو التصرف فيها، بما فيها الأموال التي يكتسبها بأي سبب كان، مادام في حالة الإفلاس، أي أنه لا يشمل غل اليد الأموال الحاضرة فقط، وإنما يشمل كذلك الأموال المستقبلية التي يكتسبها ولأي سبب كان وهذا ما يكرس مبدأ لا إفلاس على إفلاس، ولذلك على الوكيل المتصرف القضائي أن يوقع رهنا رسميا على جميع أموال المفلس لمصلحة الدائنين.

_ لا يجوز للمفلس إبرام أي عقد كالبيع أو الهبة أو الإيجار أو تحرير شيكات أو سندات تجارية مهما كان نوعها، ومن يتعاقد مع المفلس وحتى لو كان حسن النية، ليس له الحق في أن يدخل مع جماعة الدائنين، ولا يحتج بذلك على جماعة الدائنين.

_ كما ليس للمفلس الوفاء بأي دين عليه مهما كانت قيمته، أو الوسيلة التي سيوفى بها هذا الدين، لأنه في هذه الحالة سيكون هناك إضرار بيّن بجماعة الدائنين لأنه فضل شخصا على آخر، ولو قام المدين بغير ذلك اعتبر مرتكبا لجريمة الإفلاس بالتدليس أو بالتقصير.

_ يمتد غل يد المدين إلى الدعاوى القضائية، فيمتنع على المفلس أن يرفع الدعوى أمام  القضاء أو يطعن في حكم صدر ضده، بل يمثله في ذلك الوكيل المتصرف القضائي، وكذلك لا  ترفع الدعوى ضد المفلس بل ضد الوكيل المتصرف القضائي، ولا يستثنى من ذلك إلا الدعاوى المتعلقة بشخص المفلس، فليس من اللازم استدعاء الوكيل لحضورها[46].

_ يشمل غل اليد كذلك، كل ما يشغل ذمة المفلس بسبب ارتكابه أي فعل ضار سواء عن عمد أو غير عمد، وسواء وقع الفعل الضار من المفلس شخصيا أو من تابعيه، أو من       الحيوانات التي تكون في حراسته. فإذا حكم للمضرور بالتعويض عن الفعل الذي ارتكبه المفلس  أو أحد تابعيه أو ما تحت حراسته بعد صدور حكم شهر الإفلاس، فلا يجوز له الاشتراك في التفليسة بمبلغ التعويض، إنما عليه الانتظار حتى انتهاء التفليسة، ويقوم بالتنفيذ على ما تبقى له من مال أو ما يستجد له من أموال[47].

_ ولا تقع المقاصة قانونية كانت أو قضائية أو اتفاقية بعد صدور حكم شهر الإفلاس    لمصلحة من يكون دائنا ومدينا للمفلس في نفس الوقت، بل يجب عليه أن يفي  بكل مستحقاته لأمين التفليسة ويتقدم في التفليسة بما هو مستحق له قبل المفلس فيخضع لقسمة الغرماء، على أنه هناك استثناء هام في الحالة التي ينشأ فيها الدينان المتقابلان عن سبب قانون واحد، بمعنى أنه يوجد بينهما ارتباط وتلازم من شأنه أن يكون لأحد الطرفين أن يرفض تنفيذ التزامه مادام الطرف الآخر لم ينفذ ما عليه، وينطبق هذا الحكم بوجه خاص في حالة الحساب الجاري والوكالة بالعمولة[48].

ثالثا_ الأموال التي لا يشملها غل اليد

_ لا يشمل غل اليد الأموال التي لا يجوز الحجز عليها قانونا لأنها لا تدخل في الضمان العام المقرر للدائنين، ومثلها الفراش والثياب والمأكولات اللازمة للمدين وعائلته والأجور والمرتبات، المادة 378 ق إ م[49].

_ كما لا تدخل في نطاق غل اليد، الأموال المملوكة لغير المدين المفلس، حتى ولو كانت تحت يده ولم يتم تسليمها، مثالها الودائع، أموال الموكلين، الأموال التي انتقلت ملكيتها إلى الغير ولكن لم يتم تسليمها، أموال القصر.

_ ولا يشمل غل اليد، حقوق المدين المتعلقة بشخصيته، ونقصد بذلك الحقوق المتعلقة    بالدعوى العمومية، وكذا الدعاوى الشخصية كتلك المتعلقة بالعلاقات الزوجية، أما الدعاوى     المدنية فيكون إلى جانبه الوكيل المتصرف القضائي، وكما نصت المادة 244/2 ق ت على السماح للمفلس القيام بجميع الأعمال الاحتياطية لصيانة حقوقه.

_ ونتيجة غل اليد فإن المدين يحصل على قوته هو وأسرته ومستلزمات ذلك من القاضي المنتدب بعد اقتراح من الوكيل المتصرف القضائي، كما يمكن أن يستخدم كمسير لمؤسسته التجارية لتسهيل التسيير لأنها لأدرى بهذه التجارة، وهذا كذلك بأمر من القاضي المنتدب طبقا للمادة 242 ق ت، وبالتالي هذه الأموال لا تدخل في مطاق غل اليد. 

 

رابعا_ آثار غل اليد على شخص المدين

_ سقوط بعض الحقوق المدنية والسياسية، فلا يحق للمفلس طبقا للمادة 243 ق ت أن يتمتع ببعض الحقوق، ومثالها لا يمكن أن ينتخب عضوا في اتحادات التجار والحرفيين أو الانضمام إلى غرفة التجارة والصناعة أو الترشيح في الانتخابات السياسية، أو يكلف بوظيفة عامة...، حتى يرد له اعتباره ما لم توجد أحكام قانونية تخالف ذلك.

كما أن المادتان 370 و374 ق ت، نصتا على العمال التي يرتكبها المدين المفلس والتي تعد من قبيل الإفلاس بالتقصير والتدليس، فإن المادة 369 ق ت تحيلنا إلى نص المادة 383 من قانون العقوبات، والتي تقضي بإسقاط حق أو أكثر.

_ قد تطبق على المدين المفلس عقوبة الإكراه البدني، والتي أشار إليها قانون العقوبات وهذا في حالة الإفلاس بالتقصير والتدليس.

المطلب الثاني: إدارة أموال المدين

إن أثر إدارة أموال المدين المفلس، أثر يمس المدين المقبول في التسوية القضائية فأمواله يديرها بنفسه بمساعدة الوكيل المتصرف القضائي، فهو يقوم بكافة الإجراءات التحفظية ويحصل السندات والديون الحالة الأداء ويبيع الأشياء المعرضة للتلف أو التي ستنخفض قيمتها أو التي يكلف الحفاظ عليها ثمنا باهظا، ويجوز له رفع أي دعوى قضائية بنفسه، كأن يرفع دعوى لمطالبة مدينه بدين على ذمته مثلا، ويجوز له مواصلة نشاط المؤسسة التجارية أو الصناعية بمساعدة الوكيل المتصرف القضائي، طبقا للمادة 273 ق ت، وإذا رفض المدين مباشرة أعمال تجارته فيجب على الوكيل المتصرف القضائي القيام بها طبقا 274 من القانون التجاري، وهذا إذا أذن له القاضي المنتدب بذلك، ويفهم من ذلك أنه يقوم بالأعمال التي يقوم بها الوكيل المتصرف القضائي في حالة الإفلاس.

ومن جهة أخرى، فإنه إذا تعلق الأمر برفع دعوى فإن الوكيل المتصرف القضائي ليس     ملزما بطلب الإذن من القاضي المنتدب، بل يرفع الدعوى ويدخل المدين في الدعوى، وكما      يجوز للمدين بمساعدة الوكيل المتصرف القضائي بعد إذن من القاضي المنتدب، أن يتنازل عن الإيجار أو يستمر فيه مع تنفيذ كافة التزامات المستأجر، كما يمكنه فسخ عقد الإيجار طبقا للمادة 279 ق ت، وفي هذه الحالة فهو ملزم بإبلاغ المؤجر عن نيته في الاحتفاظ بالإيجار أو فسخه خلال ثلاثة أشهر من تاريخ الحكم بالتسوية القضائية طبقا للمواد 278 و279 من ق ت، كما يجوز للمحكمة أن تقضي بفسخ عقد الإيجار إذا رأت عدم كفاية الضمانات المقدمة من طرف المؤجر.

وإذا تصرف المدين دون الرجوع لرأي الوكيل المتصرف القضائي، فإن التصرفات التي قام بها المدين دون علم الوكيل المتصرف القضائي لا يحتج بها تجاه الدائنين، بمعنى أن المدين في التسوية القضائية يسترجع حقيقة التصرف في أمواله ولكن تحت رقابة الوكيل المتصرف القضائي وبإذن يمنح من القاضي المنتدب.  

 

المبحث الثاني: آثار الإفلاس والتسوية القضائية على الدائنين

نتناول في هذا المجال الآثار المباشرة لحكم الإفلاس والتسوية القضائية، والتي تعود على جماعة الدائنين مباشرة وبقوة القانون بمجرد صدور الحكم، وكذا آثار غير مباشرة  تتعلق بتصرفات وعقود يبرمها المدين خلال فترة توقفه عن الدفع والتي تسبق صدور الحكم ولا يمكن التمسك بهذه العقود اتجاه جماعة الدائنين، سواء كانت باطلة وجوبا أو جوازا.

 

المطلب الأول: الآثار المباشرة

الحكمة من نظام الإفلاس هو حماية جماعة الدائنين، الذين وثقوا في المدين المفلس وأقرضه أموال، ولم يوفي بما عليه في الوقت المحدد، كما يحمي المدين المفلس، والذي اضطرابه المالي يجعله يتصرف بعفوية قد تأثر في ذمته المالية ويخسر كل شيء.

لذلك نتعرض في هذه النقطة إلى آثار الإفلاس بالنسبة لجماعة الدائنين، والتي تتمثل فيما يلي:

أولا_ تكوين جماعة الدائنين

وكنا قد تعرضنا سابقا في محور أشخاص التفليسة، وقلنا أن صدور حكم شهر الإفلاس يرتب وبقوة القانون نشأة جماعة الدائنين، وتضم هذه الجماعة الدائنين العاديين وكذا أصحاب الامتياز العام، والذين نشأت ديونهم قبل شهر الإفلاس، دون الدائنين المرتهنين والدائنين أصحاب حق الاختصاص، وكذا أصحاب حقوق الامتياز الخاصة على منقول أو عقار.

ثانيا_ وقف الدعاوى الفردية

ويقصد بها وقف جميع الدعاوى والإجراءات المتخذة من قبل الدائنين على المدين وهذا ما أكدت عليه المادة 245 من ق ت، وبناءا عليه توقف من يوم صدور الحكم كل طرق التنفيذ سواء على المنقولات أو على العقارات من جانب الدائنين، الذين لا يضمن ديونهم امتياز خاص أو رهن حيازي أو عقاري على تلك الأموال.

بمعنى أن الإفلاس لا يؤثر على حق الدائنين أصحاب الامتياز الخاص أو الذين ديونهم مضمونة برهن، فإنه يمكن لهم مقاضاة المفلس والتنفيذ على أمواله بعد شهر حكم الإفلاس.

وبناءا على هذا الأثر فإنه لا يجوز لأي دائن رفع دعوى قضائية على المفلس، وإنما يتقدم به إلى الوكيل المتصرف القضائي لحصر جماعة الدائنين، ويحل الوكيل المتصرف القضائي محل الدائنين في جميع الدعوى وإجراءات التنفيذ على المدين، ويمكن للدائن صاحب المصلحة أن يتدخل إلى جانب الوكيل المتصرف القضائي في أي دعوى يرفها إن كانت مصلحة الجماعة تقتضي بذلك.

ثالثا_ سقوط آجال الديون

بما أنه من أهم آثار الإفلاس غل يد المدين عن إدارة أمواله، فإن الديون التي لم يحل أجل تسديدها لا فائدة من انتظار موعد حلولها، وبالتالي سقوط أجل هذه الديون، وباستقراء نص المادة 246/1 ق ت، فإن حكم الإفلاس أو التسوية القضائية يؤدي إلى جعل الديون غير المستحقة حالة الأجل بالنسبة للمدين.

ولكن هذا الأثر يعود على الديون التي على المدين وليست للديون التي للمفلس لدى الغير فعلى الوكيل المتصرف القضائي مطالبة المدينين في الآجال المتفق عليها.

ومن جهة أخرى فإن الديون التي يسقط أجلها، هي ديون عادية أو مضمونة برهن أو حق تخصيص أو امتياز، أو ديون مدنية أو تجارية، أي مهما كان نوعها.

رابعا_ رهن جماعة الدائنين

بمجرد صدور الحكم بشهر الإفلاس يقرر رهنا لجماعة الدائنين وهو ما أكدت عليه المادة 254 ق ت، والتي تكلف الوكيل المتصرف القضائي بتسجيله فورا وعلى جميع أموال المدين وعلى الأموال التي يكتسبها في المستقبل، وهذا الرهن يعتبر ضمان على أموال المدين لجماعة الدائنين والذي يرتب لهم حق الأولوية في استيفاء ديونهم على الدائنين الجدد، ونقصد بهم الدائنين بعد صدور الحكم بشهر الإفلاس.

وهذا الرهن المقرر لصالح جماعة الدائنين، ما هي إلا ضمانة قانونية وضعها المشرع لحماية مصالح هذه الجماعة، باعتباره طريقة لإعلام الغير من عدم التعامل مع المدين المفلس، وباعتبار أن الرهن يتم شهره لدى محافظة الشهر العقاري، وبالتالي لا يمكن للمفلس بيع أمواله بأي طريقة كانت.

  خامسا_ وقف سريان فوائد الديون

لم ينص المشرع صراحة على هذا الأثر، إلا أنه بالنظر إلى التشريعات المقارنة فإن الحكم بشهر الإفلاس يؤدي إلى وقف سريان فوائد الديون العادية أما الممتازة فلا يتوقف سريان فوائدها[50].

إن الحكم بشهر الإفلاس يترتب عليه بمجرد صدوره وقف سريان فوائد الديون المستحقة على المفلس سواء أكانت هذه الفوائد اتفاقية أو قانونية، بحيث لا يجوز للدائن أن يتقدم في التفليسة إلا بأصل دينه والفوائد المستحقة حتى يوم شهر الإفلاس، وتهدف هذه القاعدة إلى تحديد ما يستحقه كل دائن على وجه نهائي يوم شهر الإفلاس تيسيرا لأعمال التصفية[51].

ومن جهة أخرى، فإن وقــف سريــان الفوائــد يكون بالنسبة للبنوك في حالة منحها للقروض للتجار، أما بالنسبة للأفراد فلا يحق لهم طلب الفوائد، كما أن القانون التجاري لم ينص عليها بل نصت عليها التشريعات الأخرى خاصة الفرنسي، وهذا لعدم إرهاق كاهل المؤسسة التجارية المدينة لإمكانية التسوية القضائية خاصة، وقــف تسجيــل الرهـون والامتيـازات، وهو ما نصت عليه المادة 251 ق ت، وقد شرع هذا الإجراء لتجميد الذمة المالية للمدين بمجرد صدور الحكم بالإفلاس    أو التسوية القضائية.

ولهذا المبدأ استثناء يتمثل في امتياز الخزينة العامة، والتي لها أن تتمسك بامتيازها على الديون التي كانت غير ملزمة بتسجيلها بمجرد صدور الحكم، والديون المعروضة للتحصيل بعد ذلك التاريخ، طبقا للمادة 251/2 ق ت، وكما أنه يجوز لبائع المحل التجاري الذي أنجز البيع قبل صدور الحكم أن يسجل امتيازه، وهو نصت عليه المادة 114 ق ت ويمكنه أن يتمسك بامتيازه تجاه مجموعة دائني التفليسة.

 

المطلب الثاني: الآثار غير المباشرة _ فترة الريبة_

يسبق صدور الحكم بالإفلاس أو التسوية القضائية، فترة يكون فيها التاجر مضطربا نظرا لكون مركزه المالي مزعزع، وعليه ديون واجبة التسديد، وبالتالي قد يقوم ببعض التصرفات والتي تضر بجماعة الدائنين، أو تضر به هو شخصيا، مثالها أن يبيع أشياء بأقل من ثمنها أو يقوم بالتسديد لدائن على حساب دائن آخر.

وهذه الفترة سميت بفترة الريبة، لأن التصرفات التي تقع خلالها محل شك وريبة في نظر القانون، ولا تكون صحيحة إلا بإجازة منه، بمعنى أنه خلال هذه الفترة هناك تصرفات صحيحة وأخرى باطلة.

أولا_ تحديد فترة الريبة

إن تحديد فترة الريبة هو اختصاص أصيل للمحكمة، فهي الفترة الزمنية الممتدة ما بين التاريخ الذي تحدده المحكمة وتاريخ صدور الحكم بشهر الإفلاس، على أن لا تتجاوز فترة الريبة 18 شهرا، بنص المادة 247 ق ت آخر فقرة منها، وإذا لم تستطع المحكمة تحديد تاريخ التوقف عن الدفع، فإن تاريخ صدور الحكم بشهر الإفلاس أو التسوية القضائية هو نفسه تاريخ التوقف عن دفع الديون.

وكما أضافت المادة 247 ق ت في فقرتها ما قبل الأخيرة، أنه يجوز للمحكمة أن تمدد فترة الريبة إلى ستة أشهر أخرى على تاريخ التوقف عن الدفع، وذلك بالنسبة للعقود بغير عوض.

وقد أجازت المادة 248 ق ت، للمحكمة أن تعدل في الحدود المقررة في المادة السابقة تاريخ التوقف عن الوفاء بقرار تال للحكم الذي قضى بالتسوية القضائية أو شهر الإفلاس وسابق لقفل قائمة الديون.

ثانيا_ البطلان الوجوبي خلال فترة الريبة

إن التصرفات التي تصدر من المدين خلال فترة الريبة، والمتعلقة بأموال مملوكة له والتي يحكم فيها القاضي بالبطلان الوجوبي، أي أنها لا تكون كذلك إلا بصدور حكم بذلك وبالتالي هذه التصرفات لا تكون واجبة النفاذ اتجاه الدائنين، والشخص الذي تعاقد معه الدائن خلال هذه الفترة يمكن له أن يتمسك بهذا العقد بعد انتهاء التفليسة.

وعموما تعرضت لهذه التصرفات الباطلة وجوبا نص المادة 247 ق ت، وهي كالتالي:

1_ كافة التصرفات الناقلة للملكية المنقولة والعقارية بغير عوض.

2_ كل عقد معاوضة يجاوز فيه التزام المدين بكثير التزام الطرف الآخر.

3_ كل وفاء مهما كانت كيفته لديون غير حالة بتاريخ الحكم المعلن بالتوقف عن الدين.

4_ كل وفاء لديون حالة بغير الطريق النقدي أو الأوراق التجارية أو بطريق التحويل أو بغير ذلك من وسائل الوفاء العادية.

5_ كل رهن عقاري اتفاقي أو قضائي وكل حق احتكار أو رهن حيازي يترتب على أموال المدين لديون سبق التعاقد عليها.

ثالثا_ البطلان الجوازي خلال فترة الريبة

على عكس البطلان الوجوبي، فإن البطلان الجوازي للمحكمة سلطة تقديرية واسعة في الحكم به، حتى وإن توفرت الحالات المذكورة في نص المادة 249 ق ت، وهي كل ما يخرج عن حالات البطل

ان الوجوبي، بمعنى أنه يجوز إبطال كل العقود ما عدا التي تنطبق عليها أحكام المادة 247 ق ت، وهي مذكورة على سبيل المثال لا الحصر وتتمثل في التالي:

1_ كل العقود الناقلة للملكية على سبيل التبرع المبرمة خلال فترة الستة أشهر السابقة للتوقف عن الدفع.

2_ كل ما يؤديه المدين للوفاء بديونه الحالة وبطرق عادية بعد تاريخ التوقف عن الدفع.

3_ كل تصرف ولو بعوض إذا رأت المحكمة أنه ضار بجماعة الدائنين.

4_ كل تأمين لدين نشأ أثناء فترة الريبة.

والملاحظ فيما يخص الحالات التي تؤدي إلى البطلان الجوازي أو الوجوبي، والتي تقع في فترة الريبة، هي كل تصرف يصدر من المدين ويلحق ضررا بجماعة الدائنين  وبذلك يكون المشرع قد حاول جاهدا حماية جماعة الدائنين من التصرف اللاعقلاني من قبل الدائن في ذمته المالية، وهذا حتى يتهرب من تسديد ديونه، أو أن ارتباكه جعله يبرم عقودا قد تضر به قبل أن تضر بجماعة الدائنين.

 

المبحث الثالث: آثار الإفلاس والتسوية القضائية على الدائنين ذوي الحقوق الخاصة

الإجراءات التي تعرضنا لها سابقا تخص إجمالا الدائنين العاديين، ولكن هناك بعض الفئات التي تدخل ضمن من لهم حقوق خاصة، منهم الدائنين الممتازين وكذا أصحاب الرهون وذوي حقوق التخصيص.

المطلب الأول: حقوق الدائنين الممتازين

تنقسم هذه الامتيازات والرهون لثلاثة أنواع هي:

 

أولا_ حقوق الدائنين ذوي الامتياز العام

وهؤلاء ترد حقوقهم على جميع أموال المدين من منقول وعقار وتشمل المصروفات القضائية التي أنفقت على جميع الدائنين في حفظ أموال المدين وبيعها. وبما أن هذه الامتيازات لا تتعلق بمال معين للمدين ولا تباشر إلا على ثمن أموال المدين عند بيعها لذا يندرج أصحابها في عداد جماعة الدائنين شأنهم في ذلك شأن الدائنين العادين ويلتزمون بالتقدم في التفليسة بحقوقهم مع التمسك بامتيازهم[52]، ويتمثل هذا النوع في:

1_ امتياز المصاريف القضائية

إن هذا الامتياز يضمن كل مصاريف إدارة التفليسة، إلا أنه لا يمكن التمسك به، إلا تجاه الدائنين الذين استفادوا من إنفاق المصاريف القضائية، أمل المصاريف العامة لإدارة الأصول، فليست ديونا ممتازة تجاه الدائنين المتمتعين بتأمينات خاصة، وبالعكس فإن المصاريف المنفقة في المصلحة الفردية لدائن متمتع بتأمين عيني، لا يمكن التمسك بها تجاه جماعة الدائنين.[53]

2_ امتياز الخزينة العامة

إن للخزينة العمومية وضع خاص، لأن من أهم مداخلها الضرائب، لذلك تنص المادة 991 ق م، على حق الخزينة العامة في استيفاء حقها مهما كان نوعه، وفي أي يد كان وقبل أي حق آخر حتى ولو كان ممتازا أو مضمونا برهن.

وأكثر من ذلك فقد خصص المشرع وفي نص المادة 349 ق ت، الخزينة العامة بحق المطالبة الفردية لديونها الممتازة إذا لم يلب الوكيل المتصرف القضائي في أجل شهر إنذارها بدفع مبلغ حقوقها من الأموال المتوفرة، والقيام بإجراءات التنفيذ اللازمة.

 

 

3_ امتياز الأجور والتعويضات

نصت المادة 294 ق ت، أنه على الوكيل المتصرف القضائي وخلال مهلة عشرة أيام من الحكم بشهر الإفلاس والتسوية القضائية، أن يؤدي الأجور والتعويضات والتوابع من كل نوع الناشئة بمناسبة عقود العمل والتي لازالت مستحقة للعمال المستخدمين مباشرة من طرف المدين وذلك بمجرد أمر صادر من القاضي المنتدب، وذلك رغم وجود أي دائن آخر، شريطة وجود الأموال اللازمة لهذا الغرض، وفي حالة عدم توفر هذا الشرط فقد أحالت المادة 295 ق ت الوكيل المتصرف القضائي إلى تسديد المبالغ المستحقة من حصيلة أول إيراد.

ثانيا_ حقوق الدائنين ذوي الامتياز الخاص

في هذا الإطار يجب التمييز بين إن كان هذا الامتياز يقع على عقار أو منقول، لذلك نتعرض لأحكام كل حالة على حدا.

1_ الامتياز المتعلق بعقار

إذا وجد بين دائني التفليسة صاحب امتياز خاص على عقار من عقارات المفلس كبائع العقار الذي يطالب بثمنه وملحقاته، فإن حقوقه في التفليسة هي نفس حقوق مرتهن العقار وأصحاب الامتياز الخاص أو الرهون الذين لا يخضعون لقسمة الغرماء، ولا يندرجون في جماعة الدائنين، ولا يفقدون حقهم في اتخاذ الإجراءات الفردية إلى أن تحل آجال ديونهم بشهر الإفلاس، ويجوز لهم الدخول في جماعة الدائنين بوصفهم دائنين عاديين بالنسبة للنصيب الغير مدفوع من ديونهم، وهذا إذا لم يكف المال المحمل بالتأمين للوفاء بها، كما لهم مركزا في إجراءات التنفيذ على أموال المفلس وتوزيعها[54].

وقد حددت حقوق بائع العقار في القانون التجاري، في نص المادة 301 و302، على الشكل التالي:

_ إذا جرى توزيع ثمن العقارات قبل توزيع ثمن الأموال المنقولة، أو أجريا في وقت واحد، كان للدائنين الممتازين أو المرتهنين عقاريا والذين لم يستوفوا حقوقهم من ثمن العقارات أن يشتركوا مع الدائنين العاديين بنسبة ما بقي مستحقا لهم في الأموال الخاصة بجماعة الدائنين العاديين، ويشترط مع ذلك أن تكون الديون قد تم قبولها طبقا للأوضاع المبينة فيما بعد.

_ إذا سبق توزيع ثمن العقارات توزيع أو أكثر للأموال المنقولة فإن المقبولين من الدائنين الممتازين أو المرتهنين عقاريا يشاركون في التوزيعات بنسبة حقوقهم الإجمالية إلا في حالة الاستبعادات المشار إليها في المادة 303.

2_ الامتياز المتعلق بمنقول

لبائع المنقول امتيازات على المنقول الذي قام ببيعه، وهذا الحق مستمد من القانون المدني، فله حق الحبس وحق الاسترداد وأخيرا الحق في فسخ العقد، لذلك سنتعرض لكل حق والامتيازات الممنوحة لهذا البائع.

2_1_ حق الحبس

بالإضافة إلى أحكام الحبس التي جاءت في القواعد العامة، فإن المشرع نص عليه في المادة 310 ق ت، بأنه يمكن للبائع أن يحبس البضائع التي باعها ولم تكن قد سلمت للمدين أو لم ترسل إليه ولا إلى شخص من الغير يعمل لحسابه.

والمقصود في هذه المادة، أنه إذا قام البائع ببيع بضاعة إلى المفلس، ولم يستلم الثمن والبضاعة لم تسلم، فله الحق في حبسها، ويصبح الثمن مستحق الأداء، ولكن قد يقوم الوكيل المتصرف بدفع ثمنها للبائع، وإجباره على تنفيذ العقد، وهذا شريطة وجود الأموال الكافية للتنفيذ وكان تنفيذ العقد أصلا في مصلحة جماعة الدائنين.

وكما أن للبائع وحتى لا يبقى في وضعية الحبس، ويتفادى مطالبة الوكيل المتصرف له بالتنفيذ، وإن كانت له مصلحة في عدم تنفيذ هذا الحق، له طريق آخر وهو طلب فسخ العقد.

2_2_ حق الاسترداد

نظم المشرع أحكام استرداد بائع المنقول في المواد من 306 إلى 313 ق ت، كما يلي:

_ لا يجوز القيام باسترداد الأموال المنقولة ضد أمين التفليسة إلا في أجل سنة واحدة اعتبارا من نشر القرار المثبت للتوقف عن الوفاء، وذلك لما جرى تسليمه من أوراق مالية أو سندات أخرى غير مسدد القيمة، وكانت موجودة في محفظة المدين ومسلمة من مالكها للتحصيل أو لتخصيصها لمدفوعات معينة.

وكما يجوز استرداد البضاعة التي بحوزة المدين على سبيل الأمانة، أو كانت وديعة أو حتى وكل المدين ببيعها لحساب المالك.

ويجوز كذلك استرداد ثمن البضائع أو بعضه إذا لم يسدد أو يدفع بورقة مالية أو بمقاصة ضمن حساب جار بين المدين والمشتري.

_ لا يجوز لبائع المنقول التمسك تجاه جماعة الدائنين بحق الاسترداد، لأن الظاهر يقول أن الشيء الذي في حوزة البائع هو ملك له، كما أن جماعة الدائنين قاموا بجميع الإجراءات التحفظية منها الحجز على أموال المدين والتي أصلا يده مغلولة عن استغلالها وبالتالي يفقد البائع حق المطالبة باستردادها، لأنها تحت رقابة الوكيل المتصرف القضائي.

_ هناك استثناء عن القاعدة العامة السابق ذكرها، وهي منع البائع من ممارسة حق الاسترداد، ألا وهي أنه يجوز استرداد البضائع التي فسخ بيعها قبل الحكم بالتسوية القضائية      أو بالإفلاس، سواء كان هذا بحكم قضائي أو من جراء شرط فسخ اتفاقي، وذلك مادامت هذه البضائع قائمة عينا كلها أو بعضها.

ويتعين كذلك قبول الاسترداد رغم الحكم بفسخ البيع أو تقرير وجوده بمقتضى حكم قضائي تال للحكم بالتسوية القضائية أو بالإفلاس، شريطة أن يكون البائع لم يستوفي ثمن الشيء المبيع قبل صدور الحكم.

 

وكذلك هناك حالة ما إذا قام بائع المنقول بإرسال الشيء المبيع إلى المدين، وقبل دخول تسليم البضاعة أو حتى دخولها المخازن، صدر الحكم بشهر الإفلاس، يجوز للبائع استرداد البضاعة، ولكن إذا بيعت هذه البضاعة وفق فواتير ومستندات صحية فإنه لا يجوز استردادها رغم عدم دخولها بعد إلى المخازن.

 2_3_ حق الفسخ

قد يحصل قبل شهر الإفلاس، أن يرفع البائع ضد المشتري، دعوى فسخ البيع لأي سبب كان، فإذا صدر الحكم بالفسخ، عندها يعتبر العقد مفسوخا من تاريخ تقديم الطلب فالبائع يصبح مالكا قبل إعلان الإفلاس، والمفلس يغدو حائزا مؤقتا ملتزما برد الشيء[55].

وهذا ما أكدت عليه المادة 308 ق ت، على أنه يجوز استرداد البضائع التي فسخ بيعها قبل الحكم بالإفلاس أو التسوية القضائية، سواء كان هذا بحكم قضائي أو من جراء شرط فسخ اتفاقي وذلك ما دامت هذه البضائع قائمة عينا كلها أو بعضها.

غير أنه يمكن للوكيل المتصرف تجنب الفسخ القضائي إذا قام بالالتزامات التي يفرضها العقد لاسيما إذا كان هذا الأخير ضروري لاستمرار التجارة كعقد الإيجار وعقد العمل[56].

3_ مؤجر العقار

يقوم امتياز مؤجر العقار على أساس أن له رهنا حيازيا ضمنيا على ما يؤثث به العقار المؤجر من أثاث ومنقول، ويختلف امتياز المؤجر عن امتياز المرتهن حيازيا للمنقول من ناحية أن حيازة المنقول في الرهن الحيازي تنتقل للدائن المرتهن، فيعرف دائنو المدين أن الدين الذي يثقل هذا المنقول لم يسدد بعد ما دام هذا المنقول لم يعد بعد لحيازة المدين بينما حيازة المنقولات في امتياز المؤجر تظل بين يدي المستأجر، فيكون دائنو المستأجر معذورين إذا لم يعرفوا هل سدد ما عليه من إيجار أو لم يسدده[57].

فإذا كان المفلس هو مستأجر العقار، فإن الأمر معقد لأنه غالبا ما تكون قيمة الإيجار مرتفعة، وبما أن الإفلاس يترتب عليه حلول آجال الديون فإن دين المؤجر يكون كبيرا وقد يستغرق ثمن جميع المنقولات الموجودة في المحل والتي تقع عليها امتيازه، الأمر الذي يضر بالمدين والدائنين إذا استعمل المؤجر امتيازه في التنفيذ على المنقولات والسلع والمعدات التجارية فتنخفض قيمة المحل التجاري[58].

وقد نصت المادة 278 ق ت، توقف لمدة 03 أشهر كل ما يتخذ بناءا على طلب المؤجر من إجراءات التنفيذ على الأموال المنقولة المؤثثة بها الأماكن المؤجرة من تاريخ صدور الحكم بالتسوية القضائية أو الإفلاس.

ولكن القانون سمح له باتخاذ التدابير التحفظية، كما يمكنه استرداد الأماكن المؤجرة لكن عليه أن يقدم طلبه خلال ثلاثة أشهر، وتتمثل هذه الإجراءات التحفظية مثلا في أن المؤجر كان قد اتخذ إجراءات قبل صدور الحكم، كأن يكون قد رفع دعوى فسخ عقد الإيجار، ولهذا فيمكن فسخ العقد طبقا لشرط المدة المذكورة، كما يمكن للمدين بمساعدة الوكيل المتصرف القضائي أن يتنازل عن الإيجار أو يستمر فيه مع تنفيذ كل التزامات المستأجر شريطة أن يبلغ المؤجر أنه سيحتفظ بحق الإيجار أو فسخه خلال 03 أشهر من صدور الحكم، ويمكن للمحكمة القضاء بفسخ الإيجار إذا رأت أنه لا جدوى من الإيجار طبقا للمادة 279 ق ت.  

ومحاولة من المشرع من وقف تراكم أموال الإيجار على المدين، شرع اتخاذ بعض الإجراءات هي:

_ حسب نص المادة 296 ق ت، أنه في حال فسخ الإيجار يكون للمالك امتياز عن السنتين الأخيرتين من الأجرة المستحقة قبل الحكم بشهر الإفلاس أو التسوية القضائية، وعن السنة الجارية مقابل كل ما يخص تنفيذ الإجارة.

_ وفي حالة عدم الفسخ فليس للمؤجر بعد استيفاء كل الإيجارات المستحقة أن يطالب بسداد الإيجارات الجارية أو المستقبلية ما دامت التأمينات التي كانت معطاة له لا تزال قائمة أو تلك التي أعطيت له منذ التوقف عن الدفع قد اعتبرت كافية.

_ أجازت المادة 297 ق ت، للمؤجر ممارسة امتياز الفسخ، إذا بيعت المنقولات المؤثثة بها الأماكن المؤجرة، ونقلت منها، وتكون له أجرة السنة التي تستحق اعتبارا من العام الصادر فيه الحكم بإشهار الإفلاس أو التسوية القضائية.

وفي الأخير تجدر الإشارة إلى أنه إذا كان المدين هو المؤجر، فلا مصلحة للمستأجر في فسخ العقد، لأنه يستطيع أن يحتج به في مواجهة جماعة الدائنين، وأن يدفع بدل الإيجار للوكيل المتصرف القضائي.

المطلب الثاني: حقوق الدائنين المرتهنين وذوي حق التخصيص

ترد هذه الحقوق على عقار معين أو عدة عقارات معينة، وتنظمها جميعا فكرة واحدة هي فكرة الرهن ضمانا لوفاء الدين، وتتفق جميعا أيضا في أنها لا تنفذ في مواجهة الغير إلا إذا أشهرت بطريق القيد في مكتب الشهر العقاري الذي يقع العقار في دائرة اختصاصه[59].

وما يمكن قوله حول حقوق الدائنين المرتهنين وذوي حق التخصيص، هو أنهم يستوفون ديونهم قبل باقي الدائنين، أي لهم حق الأولوية.

أولا_ الدائنين المرتهنين

إن حق الأولوية يكون سواء على عقار أو منقول، وذلك يكون من قيمة الشيء محل الرهن  ولا يهم إن كان رسميا أو حيازيا، وبذلك نتعرض للرهن العقاري وكذا الرهن الواقع على منقول.

 

1_ مرتهن العقار 

حدد المشرع وضعية الدائن المرتهن عقاريا في المواد من 301 إلى 305 ق ت، حيث انه ساوى بين وضعية الدائن الذي له امتياز خاص على عقار، فقد الأولوية تكون حسب أسبقية تاريخ القيد. ولذلك نتعرض للرهن العقاري والرهن الحيازي[60] معا على النحو التالي:

_ إذا أجري توزيع ثمن العقارات قبل توزيع ثمن الأموال المنقولة، أو أجريا في وقت واحد، كان للدائنين الممتازين أو المرتهنين عقاريا الذين لم يستوفوا حقوقهم من ثمن العقارات أن يشتركوا مع الدائنين العاديين بنسبة ما بقي مستحقا لهم في الأموال الخاصة بجماعة الدائنين العاديين ويشترط مع ذلك أن تكون الديون قد تم قبولها طبقا للأوضاع المبينة فيما بعد.

_ إذا سبق توزيع ثمن العقارات توزيع أو أكثر للأموال المنقولة فإن المقبولين من الدائنين الممتازين المرتهنين عقاريا يشاركون في التوزيعات بنسبة حقوقهم الإجمالية.

_ بعد بيع العقارات والضبط النهائي لترتيب الدائنين المرتهنين عقاريا والممتازين يستحق أولئك الذين يسمح لهم ترتيبهم باقتضاء كامل حقوقهم من ثمن العقارات سوى المقدار المستحق تبعا لترتيبهم مع خصم المبالغ التي حصلوها ضمن جماعة الدائنين العاديين.

ولا تبقى المبالغ المخصومة ضمن جماعة الدائنين المرتهنين عقاريا وإنما تعود إلى جماعة الدائنين العاديين، فهي التي يكون الاستبعاد لمصلحتها.

_ الدائنين المرتهنين عقاريا والذين لم تسمح لهم مرتبتهم في توزيع ثمن العقارات إلا باستيفاء جزئي، تحدد نهائيا حقوقهم في جماعة الدائنين العاديين تبعا للمبالغ التي يبقون دائنين بها بعد التوزيع العقاري، وأما المبالغ التي قبضوها في توزيع سابق، زائدة على هذه النسبة فإنها تستبعد من مقدار حصتهم في توزيع المرتهنين عقاريا وتضاف لجماعة الدائنين العاديين.

_ أخيرا أشارت المادة 305 ق ت، إلى الدائنين الذين لا يجديهم ترتيبهم شيئا ويخضعون تبعا لتلك الآثار كافة أعمال جماعة الدائنين العاديين بما في ذلك عقد الصلح إذا كان له محل.

2_ مرتهن المنقول

نصت المادة 292 ق ت على أنه لا يقيد الدائنون ذوو الرهون الصحيحة ضمن جماعة الدائنين إلا على سبيل المراجعة. شريطة أن يكون الرهن صحيحا، ولوكيل التفليسة بإذن من القاضي المنتدب وبعد تسديد مبلغ الدين لهذا الدائن، أن يسحب الضمان الصادر من المدين لصالح جماعة الدائنين، وإذا لم يسحب الضمان فعلى الدائن المنذر من طرف الوكيل المتصرف القضائي، أن يقوم عوضا عنه بالبيع بعد الإذن له بذلك من القاضي المنتدب  وإذا كان ثمن البيع يفوق مبلغ الدين المضمون، يحصل الفائض من طرف الوكيل المتصرف القضائي، وفي حالة العكس يصبح الدائن، دائنا عاديا بمقدار الباقي من دينه[61].

ثانيا_ صاحب حق التخصيص

هو الحق الذي يخول للدائن الذي بيده حكم واجب التنفيذ صادر في أصل الدعوى، يلزم المدين بشيء معين أن يحصل على حق تخصيص بعقارات مدينه ضمانا لأصل الدين والمصاريف، ولا يجوز أخذ حق التخصيص إلا على عقار أو عقارات معينة مملوكة للمدين وقت قيد هذا الحق وجاز بيعها بالمزاد العلني، كما يجوز للدائن بعد موت المدين أخذ تخصيص على عقار في التركة المادتين 937 و 940 ق م[62].

المطلب الثالث: حقوق الدائنين بالنسبة للمدينين الشركاء في الالتزام والكفلاء

تعرفنا سابقا على جماعة الدائنين الذين يكونون في مواجهة الدائن، ولكن قد يواجه جماعة الدائنين جماعة من المدينين سواء شركاء أو كفلاء، ولذلك يختلف الأمر إن كان الوفاء جزئيا    أو كليا.

أولا_ الوفاء الجزئي للدين

تعرضت له المادة 290 ق ت، حيث أنه إذا كان صاحب التعهدات التضامنية، بين المدين المفلس أو المقبول في التسوية القضائية، وبين شركاء له في الالتزام قد قبض قسطا من حقه قبل التوقف عن الدفع، فإنه لا يدخل ضمن جماعة الدائنين إلا بعد استنزال هذا القسط مع حفظ جميع الحقوق عن القدر الباقي له ضد الشريك في الالتزام أو الكفيل.

ويدرج الشريك أو الكفيل الصادر منه الدفع الجزئي في نفس جماعة الدائنين لكل ما دفعه إبراء لذمة المدين.

أي أنه إذا قام المدين المتضامن أو الكفيل بدفع جزء من الدين لأحد الدائنين قبل الإفلاس، له أن يدخل بهذه القيمة في التفليسة وأن يستوفي المبلغ الذي دفعه.

وأما الدائن الذي استوفى جزءا من دينه من هذا المدين المتضامن أو الكفيل، فله فقط أن يدخل بباقي دينه في التفليسة.

ثانيا_ عدم الوفاء بالدين كليا

وفقا للمادة 288 ق ت، للدائن صاحب التعهدات الموقعة أو المظهرة أو المكفولة تضامنيا من قبل المدين وشركاء له في الالتزام والمتوقفين عن الدفع، أن يطالب كل جماعات الدائنين بالقيمة الاسمية لسنده، وأن يشترك في التوزيعات حتى الوفاء الكامل.

بمعنى أنه إذا أفلست شركة التضامن مثلا، ينظم الدائنين إلى تفليسة الشركة وتفليسة كل شريك متضامن، وبذلك يمكنه أن يحصل على جزء من مبلغ دينه، قد يساوي مجموعها كامل الدين، وهي النتيجة الطبيعية للتضامن بين المدينين[63]

ومن جهة أخرى إذا حصل الدائن في التفليسلات جميعا على ما يزيد عن مقدار دينه لابد عليه برد الباقي إلى الكفيل، وهذا حتى لا يحصل على أموال ليست من حقه أي إثراء بلا سبب.

والحالة الأخيرة، هي أنه متى دخل الدائن في جميع التفليسات بكل دينه ودفعت إحداها جزء من الدين يزيد عن نصيبها، فلا يجوز لها الرجوع على التفليسات الأخرى لمطالبتها بما دفعته عنها، فإذا دفعت تفليسة الكفيل مثلا جزء من الدين، فلا يجوز لوكيل التفليسة الرجوع على تفليسة المدين الأصلي ليطالبها بما دفعته[64].

وهو ما أكدت عليه المادة 289 ق ت، بأنه لا يفت باب الطعن في التسوية القضائية       أو الإفلاس الخاص بالشركاء في الالتزام بعضهم ضد البعض الآخر، بسبب الحصص المؤاداة، ما لم يكن مجموع الحصص المؤادة من التسويات القضائية والتفليسات فائضا على تمام مبلغ الدين من أصل وملحقات، ففي هذه الحالة يعود ذلك الفائض، إلى أولئك الشركاء في الالتزام الذين كان الآخرون لهم كفلاء، وفقا لأسبقية التعهدات.

المبحث الرابع: إجراءات الإفلاس والتسوية القضائية

للبدء في عملية التصفية وتسديد ديون المدين، لابد من إجراءات يقوم بها الوكيل المتصرف القضائي وهي وضع الأختام وجرد أموال المدين، ثم حصرها والتحقق من صحتها.

المطلب الأول: وضع الأختام وجرد أموال المفلس 

أولا_ وضع الأختام

نصت المادة 258 ق ت على أنه للمحكمة التي أصدرت الحكم بشهر الإفلاس والتسوية القضائية، أن تصدر أمرا بوضع أختام على الخزائن والحافظات والدفاتر والأوراق والمنقولات والأوراق التجارية والمخازن والمراكز التجارية التابعة للمدين، وإذا كان الأمر يتعلق بشخص معنوي يحتوي على شركاء مسؤولين من غير تحديد يكون وضع الأختام على أموال كل منهم.

وفي حالة وجود هذه الأموال خارج دائرة اختصاص المحكمة المختصة يوجه إعلان بذلك إلى قاضي المحكمة التي توجد أموال المفلس في دائرة اختصاصها.

وتفاديا لهروب المفلس بأمواله أو التصرف فيها، فإن نفس المادة أجازت للقاضي وقبل صدور الحكم بالإفلاس والتسوية القضائية، أن يأمر بضع الأختام على أموال المدين الذي توارى عن الأنظار، أو قام باختلاس بعض من أموالها أو كلها، وذلك سواء تلقائيا أو بطلب من أحد الدائنين.

القاعدة العامة أن أموال المفلس كلها تختم، ولكن هناك أموال تعفى من وضع الأختام عليها وذلك بناء على طلب من الوكيل المتصرف القضائي، وهي بناء على نص المادة 260 و261 ق ت وهي:

1_ المنقولات والأمتعة اللازمة للمدين ولأسرته، طبقا للبيان المعروض عليه.

2_ الأشياء المعروضة للتلف القريب أو انخفاض القيمة الوشيك.

3_ ما يلزم استعماله في نشاطه الصناعي أو مؤسسته إن كان رخص له باستمرار الاستغلال.

4_ الدفاتر والمساندات الحسابية الخاصة بتجارة المدين.

5_ أوراق الحافظة التجارية التي حان أجل استحقاقها أو المحتملة القبول أو التي يستدعي الحال اتخاذ إجراءات تحفظية بالنسبة لها.

ويقوم الوكيل المتصرف القضائي بتحرير قائمة جرد بالأشياء المشار إليها، مع تقويمها ويكون ذلك بحضور القاضي المنتدب الذي يوقع المحضر. وكما أن الرسائل الموجهة للمفلس ترسل إلى الوكيل المتصرف القضائي، يفتحها هذا الأخير بحضور المدين إن كان موجودا.

وقد أضافت المادة 262 ق ت، على أنه لا يجوز للمديرين بحكم القانون أو الواقع أن يحولا الحصص أو الأسهم التي تتكون منها حقوقهم في الشركة إلا بإذن القاضي المنتدب وتقضي المحكمة بعدم قبول حوالة الأسهم والحصص في الشركة والتي يملكها كل شخص تدخل في إدارة أموال شخص معنوي مهما كان الزمن الذي ثبت فيه هذا التدخل.

ثانيا_ الجرد

لمباشرة عملية الجرد، لابد من رفع الأختام، لذلك سمحت المادة 263 ق ت، للوكيل المتصرف القضائي بأن يتقدم بطلب رفع الأختام خلال ثلاثة أيام.

وبناء على المواد 264 إلى غاية 267 ق ت، فإنه تجرى عملية الجرد مباشرة بحضوره     أو بعد استدعائه قانونا بموجب رسالة مضمونة الوصول.

ويجري في نفس الوقت التحقق من وجود الأشياء التي لم توضع عليها الأختام أو التي نزعت عنها، ويتم حساب قيمتها وتتمثل في الأشياء والبضائع التي بيعت مخافة تلفها أو إنقاص قيمتها  ثم تحرر قائمة الجرد على نسختين تودع إحداهما لدى كتابة الضبط وتبقى الأخرى لدى الوكيل المتصرف القضائي، ويمكن للوكيل المتصرف القضائي الاستعانة بأي شخص مناسب، لمساعدته في إعداد قائمة الجرد أو خبير لتقدير قيمة الأشياء الجاري جردها. كما يجوز للنيابة العامة حضور عملية الجرد.

وفي حالة وفاة المدين قبل صدور الحكم بالإفلاس أو التسوية القضائية، ولم تحرر بعد قائمة الجرد، أو حصلت الوفاة قبل إقفال قائمة الجرد، تستكمل باقي الإجراءات بحضور ورثته.

وعند انتهاء عملية الجرد تسلم هذه البضائع والنقود وسندات الحقوق والدفاتر والأوراق والمنقولات وحاجات المدين إلى الوكيل المتصرف القضائي الذي يأخذها في عهدته بإقرار يحرره أسفل قائمة الجرد.

               

 المطلب الثاني: حصر أموال المدين المفلس

يقتضي حصر الديون، تقديم مستندات من قبل الدائنين تثبت حقيقة ديونهم، ولكن من جهة ثانية لا يكفي لاتخاذ الحل المناسب للتفليسة حصر أموال المفلس، بل لابد أيضا من حصر ما عليه من ديون بعد التحقق من صحتها وجديتها لاستبعاد ما كان منها صوريا  أو ما تعلق به سبب من أسباب البطلان أو الانقضاء، ولذلك أوجب القانون دعوة الدائنين إلى تقديم ديونهم، والتأكد من صحتها وجديتها عن طريق التحقيق[65].

ولحصر الديون يجب على الدائنين التصريح بديونهم حتى تفحص، وحتى يتمكنوا من المشاركة في مختلف العمليات إما التسوية أو التصفية، وهذا بتقديم الوثائق والمستندات من قبل الدائنين والتصريح بها لدى الوكيل المتصرف القضائي، ثم يتم التأشير عليها من طرف القاضي المنتدب.

وتكون الإجراءات على النحو التالي:

_ بناءا على نص المادة 280 ق ت، فإنه بمجرد صدور حكم شهر الإفلاس والتسوية القضائية يقوم جميع الدائنين الممتازين أم لا بما في ذلك الخزينة العامة بتسليم الوكيل المتصرف القضائي مستنداتهم مع جدول ببيان الأوراق المقدمة والمبالغ المطالب بها، ويكون التوقيع على هذا الجدول مع الإقرار بصحتها ومطابقتها إما من الدائن أو وكيل قانوني له.

_ للدائنين مهلة شهر لتقديم مستنداتهم حسب نص المادة 281 ق ت، ولا يقبل المتخلفون في توزيع الأرباح ما لم ترفع عنهم المحكمة سقوط هذه المهلة، إذا أثبتوا أنه لديهم أسباب لذلك التأخر وفي هذه الحالة لا يمكن لهم المشاركة في توزيع الحصص أو الأرباح المقبلة.

_ تقبل وبصفة مؤقتة كدين ممتاز أو دين عادي كلا من:

1_ الديون الجبائية الحاصلة عن تسعير إداري أو تبليغ بالتصحيح ولم تكن موضوع سند تنفيذي في آخر تاريخ لتقديم الديون.

2_ الديون الجمركية موضوع سند يأذن باتخاذ الإجراءات التحفظية.

 

المطلب الثالث: التحقق من ديون المدين المفلس

بعد تقديم الدائنين لمستندات تثبت أن لديهم ديون لدى المفلس، سواء حالة التسديد، أو أن أجل سدادها لم يحن بعد، ومع ذلك يتم تقديمها، لأنه من آثار الإفلاس أو التسوية القضائية سقوط المواعيد فإنه يجب على المتصرف القضائي التحقق من هذه الديون، وذلك بإتباع الإجراءات المنصوص عليها في القانون التجاري كما يلي:

_ يقوم بعملية التحقيق من الديون الوكيل المتصرف القضائي، بمعاونة المراقبين إن اقتضى الأمر حسب نص المادة 282 ق ت، وذلك بعد استدعاء المدين برسالة مضمونة الوصول.

_ لللمدين  ثماني أيام للرد على قائمة الديون التي تم حصرها، سواء ردا كتابيا أو شفهيا وبعدها يقدم الوكيل المتصرف القضائي مقترحاته حول قبول أو رفض هذه الديون، باستثناء الديون الجمركي  فهي غير قابلة للمنازعة، إلا بشروط وتقبل على الوجه المعجل.

_ تقدم قائمة الديون إلى القاضي المنتدب الذي لديه مهلة ثلاثة أشهر من تاريخ الحكم بإشهار الإفلاس أو التسوية القضائية، المادة 283 ق ت.

_ يقوم الوكيل المتصرف القضائي بإيداع كشف الديون لدى كتابة ضبط المحكمة، مع إيضاح القرار المتخذ لكل دين على حدا.

_ يقوم كاتب الضبط فورا بإخطار الدائنين بكشف الديون، وينشر هذه القائمة في واحدة     أو أكثر من الصحف المعتمدة لنشر الإعلانات القانونية، والتي تتضمن رقم عدد جريدة الإعلانات القانونية التي جرى بها النشر الأول، حسب المادة 284 ق ت.

_ أما الدائنين الذين رفضت ديونهم أو نوزع فيها، فعلى كاتب الضبط إعلامهم بذلك، برسالة مضمونة الوصول، خلال خمسة عشر يوم، ونفس المدة منحها لهم المشرع لتقديم طعونهم حول هذا القرار.

_ أما المادة 285 ق ت، فقد جعلت لكل دائن مدرج في الميزانية أو تم تقديم دينه، في إبداء كل مطالبة عن طريق الشرح على الكشف لدى كتابة ضبط المحكمة في ميعاد خمسة عشر يوما من النشر وللمدين نفس الحق ضمن نفس الشروط.

_ يرفع كاتب الضبط بعد هذه الإجراءات الديون المتنازع فيها لأول جلسة، وذلك للفصل فيها بناء على تقرير القاضي المنتدب، بعد إخطار الأطراف قبلها بثلاثة أيام سابقة على الأقل.

_ وقد أجازت المادة 287 ق ت، للمحكمة لأن تقرر بوجه معجل قبول الدائن في المداولات عن مبلغ تحدده، وتبلغ الأطراف المعنية بذلك خلال ثلاثة أيام، بقرار المحكمة بالنسبة لهم.

الفصل الثالث: انتهاء التفليسة

لم يكن القانون التجاري حين وضع يعرف غير الإفلاس، ولم يكن يميز في ذلك بين التاجر سيء النية الذي تعمد أن يسيء إلى دائنيه، والتاجر سيء الحظ الذي وقع ضحية لظروف قاهرة بل كان كلاهما يعلن إفلاسه عندما يتوقف عن دفع ديونه التجارية، وكلاهما يتعرض لقسوة إجراءات الإفلاس التي وضعها القانون التجاري. وقد أدرك المشرع الفرنسي بعد ما يزيد عن ثمانين عاما، أنه يجب التمييز بين نوعين من التجار فوضع للتاجر سيء الحظ نظام التصفية القضائية بالقانون الصادر في 4 مارس 1889 وكانت نوعا مخففا من الإفلاس وقد استمر هذا النظام قائما حتى 1935 إذ صدر مرسوم بتاريخ 20/05/1955 أحل التسوية القضائية محل التصفية القضائية وجعلها خاصة بالتاجر سيء الحظ الذي توقف عن دفع ديونه[66]

وعموما، تهدف الإجراءات المشار إليها في الفصول السابقة إلى تسديد ديون المدينين سواء العادية أو الممتازة.

لكن ليس الحل دائما هو الحكم بالإفلاس على المدين المتوقف عن دفع ديونه، بل قد يصدر الحكم بالتسوية القضائية، والذي يكون في صالح المدين، من أن يسمح له بالحصول على صلح وبالتالي العودة إلى ممارسة تجارته هو بنفسه بدلا من الوكيل المتصرف القضائي مع تنفيذ إجراءات الصلح التي توصل إليها مع جماعة الدائنين.

وفي حالة عدم توفقه في الحصول على اتفاق صلح، فإن هذا الأخير يتحول حينها إلى حالة إتحاد، لتصفية أموال المدين وتسديد الديون التي عليه.

لذلك تنتهي إجراءات التسوية القضائية أو الإفلاس بالصلح أو بحالة الإتحاد أو بإقفال التفليسة لعدم كفاية الأموال، سواء القفل يكون نهائيا لانقضاء الديون أو قد يكون مؤقتا.

المبحث الأول: عقد الصلح

الملاحظ أولا أن الصلح هو إجراء من إجراءات التسوية القضائية، والتي لا يستفيد منها من أعلن إفلاسه بالتقصير أو بالتدليس.

أي أن الصلح هو التسوية القضائية في حين أن الصلح ما هو إلا إجراء من إجراءاتها وبعد انعقاده أو بانقضائه تنتهي التسوية القضائية بقيام حالة الاتحاد[67].

 والملاحظ أن المشرع لم يفرق صراحة بين أحكام الإفلاس والتسوية القضائية، بل جعل المواد التي تتناول أحدهما هي نفسها التي تتطرق لتسوية، فقط عندما يكون هناك فرق في الإجراءات    أو الأحكام المطبقة بينهما فإننا نجد المادة القانونية تتطرق لواحد فقط دون ذكر الآخر.

 لذلك نجد أن التاجر المقبول في التسوية القضائية، تشترط فيه نفس شروط الإفلاس وذلك من شروط موضوعية وشكلية، والتي منها أن يكون تاجرا متوقفا عن دفع ديونه المستحقة الدفع وكذا تقديم إقرار من المدين خلال 15 يوما من توقفه عن دفع ديونه مرفقا بالوثائق المنصوص عليها في المادة 218 ق ت، وكذا صدور حكم  قضائي مقرر لحالة التسوية القضائية من المحكمة المختصة.

وفي نفس السياق، لابد أن يكون المدين، لا تنطبق عليه أحكام الإفلاس بالتدليس أو التقصير لأنه لا يستفيد في هذه الحالة من إجراءات التسوية القضائية.

ولذلك نتعرض في هذا المبحث إلى عقد الصلح (المطلب الأول)، وإجراءات عقد الصلح وآثاره (المطلب الثاني)، بطلان عقد الصلح وفسخه (المطلب الثالث)، الصلح عن طريق التخلي عن المال (المطلب الرابع).

     المطلب الأول: مفهوم عقد الصلح

أولا_ تعريف عقد الصلح

جاء تعريف الصلح في الفقرة الأخيرة من المادة 317 ق ت، على أنه اتفاق بين المدين ودائنيه، الذين يوافقون بموجبه على آجال لدفع الديون أو تخفيض جزء منها.

 

وهناك من عرفه على أنه الاتفاق المبرم بين المدين ودائنيه تحت الرقابة القضائية، ويتم بالموافقة عليه بالأغلبية المزدوجة وبالتصديق من قبل المحكمة، وهو بذلك يختلف عن الصلح الودي الذي يخضع للقواعد المقررة في النظام التعاقدي المدرج في القانون المدني، ويتم دون اللجوء للقضاء وبالموافقة الجماعية للدائنين[68].

وآخرون عرفوه على أنه اتفاق بين المدين الخاضع للتسوية القضائية فقط وبين دائنيه بأغلبية معينة وبشروط معينة، ويجب أن يرفع إلى المحكمة لإقراره متى تكون له قيمة قانونية وهو غير مقبول في الإفلاس منذ مرسوم 1955. ويلزم الدائنين كلهم بما فيهم من لم يوافق عليه[69].

وينطوي الصلح على منفعة للدائنين والمدينين معا، إذ يسمح في العادة بالحصول على نصيب أكبر مما لو بيعت أموال المدين ووزع الثمن الناتج منها عليهم، ولاسيما إذا روعي أن تنفيذ شروط الصلح يكون مكفولا في الغالب من شخص ميسور، أما عن فائدته  للمدين فظاهرة إذ يسترد مركزه وأمواله ونشاطه التجاري، وإلى هذا وذاك فغن المصلحة العامة تقتضي الإبقاء بقدر الإمكان على المشروع التجاري وأن يكون مركزا خصبا لنشاط اقتصادي جديد[70].

ثانيا_ مضمون عقد الصلح

 يتضمن الصلح اقتراح من قبل المدين موجه لجماعة الدائنين أساسه كفالة لضمان دينه وعادة ما يتضمن عقد الصلح إما تخفيض الديون أو تأجيل الوفاء بها أو التنازل عن الأصول فمضمون عقد الصلح عادة ما يتضمن التالي:

1_ اقتراح الصلح مع التنازل عن جزء من الديون، في هذه الحالة يستلم الدائنون النسبة المتفق عليها مع المدين، أما الباقي فيصبح التزاما طبيعيا على عاتقه طبقا للمادة 334 ق ت، أي أن يتنازل الدائنون عن جزء من الديون للمدين، لكن يبقى التزاما طبيعيا في ذمة هذا الأخير.

2_ كما يمكن أن يقبل الصلح مع اشتراط الوفاء عند اليسر.    

 

3_ الصلح مع تأجيل دفع الديون، وفي هذه الحالة فإن المدين يعد الدائنون بوفاء كل ديونه بشرط أن يمنحوه أجلا لذلك، وقد نصت عليه المادة 333 ق ت، التي سمحت للدائنين باشتراط تقسيط دفع الديون على أجزاء حسب قدرة المدين.

 

المطلب الثاني: إجراءات عقد الصلح وآثاره

أولا_ إبرام عقد الصلح

_ وهو ما نصت عليه المادة 317 ق ت، فلا يمكن عقد الصلح إلا للمدين المقبول في التسوية القضائية، فالمدين المفلس لا يمكن استفادته من الصلح لسوء نيته، وإذا افتتحت إجراءات الصلح وتبين أن المدين متهم بالتفليس بالتدليس توقف إجراءات الصلح وتحول إلى شهر إفلاس وإذا كان الصلح قد صوت عليه يجب إبطال هذا الصلح.

_ يقوم القاضي المنتدب باستدعاء الدائنين المقبولة ديونهم، خلال مدة ثلاثة أيام من قفل كشف الديون وذلك حسب نص المادة 314 ق ت، وهذا بإخطار ينشر في الصحف أو موجه ضمن ظروف شخصية لكل دائن من طرف وكيل التفليسة.

_ إن كان المدين قد قدم اقتراحاته للوكيل المتصرف القضائي، لابد من إسناده بالاستدعاء الموجه لجماعة الدائنين قصد إعلامهم به.

_ كما يبين الاستدعاء أن الجمعية تستهدف أيضا إبرام الصلح بين المدين ودائنيه، وأن ديون الذين يشتركون في التصويت تخفض لحساب الأغلبية سواء في العدد أو في مقدار المبالغ.

_ كما يجب أن يرفق بالاستدعاء خلاصة موجزة لتقرير الوكيل المتصرف القضائي يبدي رأيه في عقد الصلح ونص مقترحات المدين، مع رأي المراقبين إن عينوا مسبقا في التفليسة.

_ عند إبرا عقد الصلح، هناك مجموعة مبادئ يجب مراعاتها وهي:

1_ يجب احترام مبدأ استحالة إبراء المدين من كل الدين، لأن الصلح ليس بقصد التبرع وإنما هو تنازل عن بعض الدين، ويجب أن ينتهي الصلح بالحصول من المدين على أي جزء من الدين مهما قل، ولكن لا يجوز أن ينتهي مطلقا إلى إبرائه من الدين كله.

2_ استحالة تعديل طبيعة حق الدائنين، إذا كان من الممكن حرمان الدائن من جزء من حقه فإنه لا يمكن أن يؤدي الصلح إلى إزالة صفة الدائن عنه، وهذا المبدأ يجد تطبيقه بالنسبة للشركة فالصلح الممنوح لها، لا يمكن أن يفرض على الدائنين استبدال حقوقهم بأسهم فيها ومثل هذا الاستبدال، يكون مشروعا، إذا كان للدائن الخيار بين استيفاء جزء من حقه أو امتلاك أسهم في الشركة، على أساس أنه في الحالة الأخيرة يمكن القول بأنه قد استلم جزءا من دينه ثم أعاده مختارا إلى الشركة على سبيل دفع حصة فيها أو إجراء قرض لها[71].

3_ احترام مبدأ المساواة بين الدائنين، إن هذا المبدأ هو النتيجة الطبيعية لاتحاد الدائنين معا في هيئة كتلة أو جماعة يقوم أعضاؤها على أساس المساواة فيما بينهم، فيترتب على هذا المبدأ عدم حصول دائن في الصلح على حصة أكثر من حصة غيره من الدائنين بالنسبة إلى دينه باعتباره مثلا صاحب أكبر دين أو صاحب دين ذي طبيعة خاصة[72].

ثانيا_ التصويت على عقد  الصلح

يتم التصويت على الصلح بانعقاد جمعية للدائنين، ويعقد الدائنون جمعية بعد استدعائهم بمقتضى المادة 314 ق ت سالفة الذكر، خلال ثلاثة أيام من قفل كشف الديون ولكن قد تتجاوز هذه المدة نظرا لصعوبة ودقة الإجراءات التي تتم بها. ويحضرها الدائنون المقبولة ديونهم نهائيا      أو وقتيا، إما بأشخاصهم أو بمندوبين يتعين أن يكونوا مزودين بتفويض ما لم يكونوا معفين من هذا القانون.

ويتم الصلح بالأغلبية المزدوجة، وهو شرط أساسي لانعقاد الصلح، وذلك بنص المادة 318 ق ت، أن الصلح لا يتم إلا باتفاق الأغلبية العددية للدائنين المقبولين نهائيا أو وقتيا على أن يمثلوا الثلثين لجملة مجموع الديون، إلا أن ديون الذين لم يشتركوا في التصويت تخفض لحساب الأغلبية في العدد أو في مقدار المبالغ ويمنع التصويت بالمراسلة. 

ويعني ذلك، أن الأغلبية المزدوجة هي أغلبية الأصوات، أي النصف + واحد من عدد الدائنين العاديين، والأغلبية الثانية هي أغلبية الديون أي أن من له دين يبلغ ثلثي الديون الموجودة حتى ولو كان أحد الدائنين وليسوا جماعة يؤخذ صوته على حساب دينه.

وإذا كان الأمر يتعلق بشركة تضامن فيجوز للدائنين اقتصار الصلح بالنسبة لأحد الشركاء  أما الشركة فتخضع لإجراءات الإفلاس، ولكن تنزع الديون التي للشريك الذي قبل الصلح معه من التفليسة، ويقصى من كل التزامات الإفلاس طبقا لنص المادة 318/2 و3 ق ت. وفي هذه الحالة تبقى أموال الشركة تحت الإتحاد، وتخفض الأموال الخاصة التي للشركاء المقبولين في الصلح، ولا يجوز أن يتضمن الصلح الالتزام بدفع حصة إلا إذا كانت قيم أجنبية عن أموال الشركة ويعفى الشريك الذي حصل صلح خاص من أية مسؤولية[73].

والصلح يحصل مع الدائنين العاديين فقط، أما الدائنين الذين لهم امتيازات أو رهون فهم معفون من التصويت على الصلح، لأنهم سيستوفون أموالهم عن طريق التأمينات العينية التي لهم وإذا قاموا بالتصويت فيعني ذلك تنازلهم الضمني عن مرتبة الامتياز وفقدانهم لتأميناتهم بقوة القانون ويصبحون بذلك دائنين عاديين، وهذا أمر نادر الوقوع، لأنه ليس في مصلحة المدين الدخول مع الدائنين العاديين في قسمة الغرماء حسب نص المادة 319 ق ت، كما أنه يذكر في محضر الجمعية ما يجريه الدائنون من تنازلات عن تأميناتهم.

ومع العلم أن فئة الدائنون ذوي حقوق الامتياز الخاصة والرهون وكذا التخصيص والذين قبلت ديونهم يستدعون لحضور جمعية الصلح من قبل القاضي المنتدب، مثلهم مثل الدائنين العاديين

ونتائج التصويت تكون حسب الفرضيات التالية:

1_ رفض الصلح من طرف الأغلبيتين: وفي هذه الحالة لا يتم الصلح لعدم توفر الشرط اللازم لإجراءات الصلح، وتقوم حالة الاتحاد بقوة القانون طبقا للمادة  320 ق ت، ولا يجوز عرض الصلح من جديد على الدائنين.

2_ قبول الصلح من إحدى الأغلبيتين ورفضه من الأخرى: بمعنى توفر الأغلبية العددية على شرط أغلبية الأموال مثلا، أو العكس، ففي هذه الحالة تؤجل المداولة لاجتماع آخر يكون بعد ثمانية أيام من الاجتماع الأول ودون سواه، أي لا يعاد الصلح مرة ثالثة في حالة عدم التوصل إليه في الاجتماع الثاني.

 ويعفى من صوّت في الأول من حضور الاجتماع الثاني، ويبقى تصويتهم صحيحا لأنهم وقعوا على المحضر المعد للصلح، ولكن يمكنهم أن يعدلوا رأيهم مثلا وذلك في حالة ما إذا قدم المدين مقترحات جديدة بعد رفض الصلح الأول، كأن يقترح قيمة جديدة لقيمة الديون المقترح الإعفاء منها مثلا، أو رفع تخفيض مدة تسديد أقساط الديون.

3_ قبول الصلح من الأغلبيتين: يتم الصلح في هذه الفرضية بقبول الأغلبيتين، وفي بذلك يتم التوقيع عليه في نفس الجلسة، تحت طائلة البطلان طبقا للمادة 320 ق ت، ويعتبر توقيع الدائن   أو نائبه المزود بتفويض عنه على أوراق التصويت المرفقة بالمحضر، بمثابة توقيع على المحضر ذاته المادة 321 ق ت.

ثالثا_ معارضة الصلح والمصادقة عليه

لما كان قرار الأغلبية يلزم الأقلية، فقد أعطى القانون لكل دائن من هذه الأقلية أي ممن يشارك في الاقتراع، الحق في أن يعارض في الصلح، خلال ثمانية أيام من إتمامه[74]. وهذا ما تم تقريره في نص المادة 323 ق ت، حيث أنه يحق لجميع الدائنين الذين كان لهم حق المشاركة في الصلح أو الذين حصل إقرار بحقوقهم منذ إبرام الصلح.

فقط يجب أن تكون المعارضة مسببة من طرف الدائن المعارض، أي أنه لا يحق للمدين والذي قدم اقتراحات حول الصلح وكذا لا للوكيل المتصرف القضائي أن يعارض في الصلح المتوصل له يتم إبلاغ المعارض إلى المدين وكذا للوكيل المتصرف القضائي.

ولكن إذا ثبت أن المعارضة كانت تعسفية، فإنه يحكم على المعارضين بغرامة لا تتجاوز 500 دينار، وإذا لم تتم المعارضة في مهلة 08 أيام فإنها تكون باطلة، ولا يمكن للدائنين الطعن في هذا الصلح.

وعندما ترفع المعارضة إلى المحكمة للنظر فيها، فإن المحكمة إذا رأت أن النزاع متوقف على عدم اختصاصها للنظر في القضية، توقف هذه المحكمة الحكم في المعارضة لما بعد الفصل في تلك المسائل.

وتحدد المحكمة ميعادا قصيرا للدائن المعارض، كي يرفع فيه موضوعه أمام المحكمة المختصة، مع إثباته متابعته للإجراءات اللازمة وعدم تخليه عن القضية حسب نص المادة 324 ق ت.

 يجب عرض الصلح على المحكمة للمصادقة عليه، وذلك بحكم، لأنه لا يمكن تنفيذ ما تم التصديق عليه، إن لم تصادق عليه المحكمة المختصة، ويكون ذلك بموجب عريضة مقدمة ممن يهمه التعجيل، سواء المدين أو الدائنين أو الوكيل المتصرف القضائي، ويتم الفصل بعد انتهاء آجال الثمانية أيام المحددة للمعارضة فيه طبقا للمادة 323 ق ت، وفي حالة رفع دعوى المصادقة على الصلح من طرف المدين مثلا ورفعت المعارضات خلال مدة الثمانية أيام المذكورة، فإن المحكمة تقضي بحكم واحد إما بقبول المعارضة ورفض التصديق على الصلح أو برفض المعارضة وقبول التصديق على الصلح طبقا للمادة 325 ق ت.  

وقبل أن تفصل المحكمة في الصلح يجب على القاضي المنتدب أن يقدم تقريره طبقا للمادة 326 ق ت، مع عدم إمكانيتها تعديل ما تم الوصول إليه في اجتماع الصلح.

 وللمصادقة على الصلح، على المحكمة أن تتأكد من مراعاة القواعد المفروضة، وهي تقرير القاضي المنتدب، واحترام الآجال وتوافر الأغلبيتين أو أسباب ترجع للمصلحة العامة أو لمصلحة الدائنين تحول من تطبيق اتفاق الصلح مثلا، وإذا لم تتحقق هذه الشروط فإن القاضي يرفض المصادقة على الصلح.  

وأما إذا تمت الموافقة على الصلح، فإنه يجوز تعيين مندوب أو ثلاثة مندوبين عند المصادقة على الصلح، وذلك لتنفيذ الصلح مع تحديد مهمتهم، وهو أمر جوازي وليس إجباري، حسب نص المادة 328 ق ت. وبعدها ينشر حكم التصديق على الصلح في النشرة الرسمية للإعلانات القانونية للمكان الذي يقع فيه مقر المحكمة.

رابعا_ آثار الصلح

1_ حكم الصلح ينهي إجراءات التسوية القضائية، ويصبغ على الصلح قوة الأمر المقضي لأنه عقد ويعتبر شريعة المتعاقدين، ولا يتم بعده أي اتفاق من شأنه أن يغير هذا الصلح، وهو غير مشمول بالنفاذ المعجل وهذا بنص المادة 227 ق ت، حيث أنه تكون جميع الأحكام والأوامر معجلة التنفيذ باستثناء الحكم الذي يقضي بالمصادقة على الصلح.

2_ يتم استئناف حكم الصلح من طرف كل ذي مصلحة ونقصد به الدائن الذي قدم معارضة في الصلح، وتم رفضه من قبل المحكمة المختصة، كما يمكنه الطعن ضد هذا الحكم بالنقض أمام المحكمة العليا.

3_تطبق أحكام الصلح على الدائنين المصادقين عليه، وكذا الدائنين المعارضين له لأنه توفرت الأغلبيتين لعقده وليس الإجماع، وقد نصت المادة 330 ق ت، أي أن التصديق على الصلح يجعله ملزما لكافة الدائنين، باستثناء الدائنين الذين لهم تأمينات عينية أو الدائنين الممتازين لأنهم غير ملزمون بالتصويت على الصلح إلا إذا تنازلوا عن تأميناتهم.

3_ لا تقبل بعد التصديق على الصلح أية دعوى ببطلان الصلح إلا لسبب الغش الذي يكتشف بعد هذا التصديق، نتيجة إخفاء بعض الأصول أو المبالغة في الخصوم.

ويبرأ هذا الإبطال بحكم القانون ذمة الكفلاء ماعدا من كان منهم عالما بالغش عند الالتزام حسب نص المادة 330 ق ت.

4_ ومن آثار الصلح كذلك، انتهاء غل يد المدين، وهو ما نصت عليه المادة 332 ق ت وإنهاء مهام الوكيل المتصرف القضائي بمجرد حصول الحكم على قوة الشيء المقضي فيه  ويستعيد المدين تجارته بحيث يديرها بنفسه، وأن يتسلم من الوكيل المتصرف القضائي أوراقه ومستنداته التي كانت عند وكيل التفليسة وذلك بحضور القاضي المنتدب، وإن لم تتم عملية التسليم، يبقى هذا الأخير هو المسؤول عنها لمدة عام من تقديم الحساب، المادة 332 ق ت.

وكما تتوقف مهام القاضي المنتدب كذلك، وتبقى المحكمة صاحبة الاختصاص في أي نزاع يثور.

5_ يترتب على الصلح بقاء الرهن الرسمي للدائنين وهذا للوفاء بحصص المصالحة وضمان تنفيذ ما تمت المصادقة عليه، لكن يمكن للمندوب منح رفع اليد عن القيد المتخذ تنفيذا للفقرة السابقة.

 

المطلب الثالث: بطلان عقد الصلح وفسخه

قد يبطل عقد الصلح أو يفسخ في الحالات التالية:

أولا_ بطلان الصلح

تعرض المشرع لبطلان الصلح في المادتين 341 و342  ق ت، وله حالتين هما:

1_ ظهور غش من المفلس بعد التصديق على الصلح حتى ولو لم يصدر بشأنه حكم بالإدانة بالإفلاس بالتدليس، كقيام المفلس بإخفاء بعض أمواله لإيهام الدائنين بكثرة عددهم        أو تضخم ديونهم مما يجعلهم يمنحونه الصلح لاعتقادهم أن بيع أمواله لا يدر عليهم إلا أنصبة أقل مما لو تم الصلح[75].

2_ صدور حكم في حق المدين بالإفلاس بالتدليس، وهذا بعد التصديق على عقد الصلح ويجوز للمحكمة أن تتخذ التدابير التحفظية التي تراها مناسبة، ويوقف العمل بهذه التدابير بمجرد صدور أمر أو حكم بعدم المعارضة أو حكم بالإعفاء من التهمة.

ثانيا_ فسخ الصلح

 فسخ عقد الصلح في العموم هو نتيجة عدم تنفيذ المدين لبنود عقد الصلح مع الدائنين وعدم وفائه بالأقساط عند حلول أجلها، أو عدم وفائه بالنسبة المتفق عليها وهو ما نصت عليه المادة 340 ق ت.

في هذه الحالة جاز لكل دائن أن يطلب التنفيذ العيني للعقد المصادق عليه مسبقا، لأن العقد شريعة المتعاقدين، ومن تخلف عن تنفيذ بنود هذا العقد تقع عليه أحكام المسؤولية العقدية، أو أن يطلب بفسخ العقد، وهو المعمول به في القواعد العامة.

كما أنه يجوز للمحكمة أن تتولى القضية وتحكم بفسخ عقد الصلح من تلقاء نفسها حسب نص المادة 340/2 ق ت. وفي كل الأحوال يتم نشر حكم الفسخ، طبقا للإجراءات المنصوص عليها في المادة 228 ق ت.

ثالثا_ آثار البطلان والفسخ

1_ الآثار الناتجة عن إبطال أو فسخ الصلح هو تحول التسوية القضائية إلى إفلاس ويرجع الوكيل المتصرف القضائي من جديد لمهامه، وذلك باتخاذ إجراءات جرد الأموال وتحقيق الديون وذلك طبقا للمادتين 343 و344 من ق ت، وهذا التحقيق يشمل الديون التي لم تسدد بعد، أما التي سددت للدائنين فلا تؤخذ بعين الاعتبار. 

كما أنه تتكون من جديد جماعة الدائنين وتترتب نفس الآثار السابق التعرض لها في إجراءات الإفلاس، وكما تغل يد المدين من جديد عن إدارة أمواله بعدما كان قد استرجع التصرف واستغلال تجارته.

2_ نصت على هذه الحالة المادة 345 ق ت، التي جاء فيها أنه لا يبطل ما أجراه المدين من أعمال بعد حكم التصديق وقبل إبطال أو فسخ عقد الصلح إلا ما جرى منه تدليسا أو غش بحقوق الدائنين، وبعد إبطال أو فسخ عقد الصلح فإن الدائنين يستعيدون كل حقوقهم كل حسب نسبته، فمن استوفى حقه نسبيا فإنه يستعيد حقه في الدين بنسبة ما بقي في ذمة المدين له.

3_ كما أن فسخ الصلح لا يترتب عليه إبراء الكفلاء المتدخلين لضمان تنفيذه كليا أو جزئيا وهذا عكس البطلان الذي يبرئ الكفلاء بحكم القانون، ما عدا الذين كانوا عالمين بالتدلي أو الغش عند الالتزام.

 

المطلب الرابع: الصلح عن طريق التخلي عن المال

هو صورة من صور الصلح، يختلف فيه عن الصلح القضائي، حيث تعرضت له مادتين هما 347 و348 ق ت.

أولا_ مضمونه

الصلح عن طريق التخلي عن الأموال، ما هو إلا إجراء من إجراءات التسوية القضائية حيث أنه اتفاق بين المفلس وجماعة الدائنين، أساسه تخلي المدين عن أصوله كلها أو جزء منها، لتباع وبذلك تسدد ديون الدائنين، مقابل استفادته من صلح وعدم إعلان إفلاسه.

ويطلب الصلح عن طريق التخلي عن الأموال من طرف جماعة الدائنين، عكس الصلح القضائي، الذي يكون بطلب من المدين، أي أن الصلح عن طريق التخلي عن الأموال هو حق لجماعة الدائنين يمكن لها التمسك به، حسب نص المادة 347 ق ت.

وأما بالنسبة للجزء المتبقي من أموال المدين، والتي لم يتخلى عنها، فإن يده تبقى مغلولة عنها وتسري عليها أحكام الإتحاد، حسب نص المادة 348 ق ت.

وإذا بيعت الأموال المتخلى عنها، فما زاد عنها يمنح للمدين، كما أن إجراءات الصلح عن طريق التخلي، هي نفسها إجراءات الصلح القضائي.

ثانيا_ آثاره

تتمثل أهم آثار الصلح عن طريق التخلي عن الأموال فيما يلي:

1_ يشرف على عملية بيع الأموال المتخلى عنها الوكيل المتصرف القضائي، وبعد بيعها يتولى عملية توزيعها على الدائنين كل بحسب قيمة ديونه.

2_ في حالة عدم كفاية الأموال لتسديد كامل الديون، تبقى هذه القيم عالقة في ذمة المدين  إلى غاية تيسر حاله، أما في حالة كفاية الأصول وتغطيتها لكامل الدين، وزاد عنها فإن الباقي يرد إلى المدين.

3_ تبقى الأموال غير المتخلى عنها تحت تصرف ورقابة الوكيل المتصرف القضائي أي مشمولة بغل اليد، فتسري عليها أحكام حالة الإتحاد.

 

المبحث الثاني: تحول التسوية القضائية إلى إفلاس

هذا المبحث في حقيقة الأمر ما هو إلا تلخيص لما ذكر سابقا، لأن التسوية القضائية وأثناء سريانها قد تطرأ عليها حالات تجعلها تتحول إلى إفلاس وهو ما سيتم التعرض له.

 

 

المطلب الأول: حالات تحول التسوية القضائية إلى إفلاس

تقضي المحكمة بتحويل التسوية القضائية إلى تفليسة إن وجدت حالات تستدعي ذلك، وذلك بحكم يصدر في جلسة علنية تلقائيا أو بناء على طلب إما من الوكيل المتصرف القضائي، أو من الدائنين بناء على تقرير من القاضي المنتدب، وذلك بعد سماع المدين الذي تم استدعاؤه بموجب رسالة موصى عليها، حسب نص المادة 336 ق ت، والحالات عموما ذكرت بنصين هما 337 و338 ق ت، وهي حالات إجبارية تحول التسوية القضائية إلى إفلاس، وحالات اختيارية.

أولا_ الحالات الإجبارية

تقضي المحكمة وفي أي وقت أثناء قيام التسوية القضائية بشهر الإفلاس، أي أن المدين قبل في التسوية القضائية ثم حول إلى إفلاس بقوة القانون في الحالات التالية:

1_ إذا حكم على المدين بالإفلاس بالتدليس.

2_ إذا أبطل الصلح.

3_ إذا ثبت أن المدين يوجد في إحدى الحالات المنصوص عليها في المادة 226/2 ق ت وهي:

 _ إذا لم يقم المدين بالالتزامات المفروضة عليه في المواد 215 و216 و217 و218 ق ت.

_ إن كان قد مارس مهنته خلافا لحظر قانوني.

_ إن كان قد اختلس حساباته أو بذر أو أخفى بعض أصوله أو كان سواء في محرراته الخاصة أو عقود عامة أو التزامات عرفية أو في ميزانيته قد اقر تدليسا بمديونيته بما لم يكن مدينا بها.

_ إن كان لم يمسك حسابات مطابقة لعرف مهنته وفقا لأهميته المؤسسة.

ثانيا_ الحالات التقديرية

للمحكمة الحق في تحويل التسوية القضائية إلى إفلاس في حالات لها صلاحية تقديرها وهي:

1_ إذا لم يعرض المدين الصلح أو لم يحصل عليه.

2_ إذا انحل عقد الصلح.

3_ إذا حكم على المدين بالإفلاس بالتقصير.

4_ إذا كان المدين بقصد تأخير إثبات توقفه عن الدفع قد أجرى مشتريات لإعادة البيع بأدنى   من سعر السوق أو استعمل بنفس القصد طرقا موجبة للخسائر شديدة ليحصل على أموال.

5_ إذا رأى أن مصاريفه الخاصة ومصاريف تجارته مفرطة.

6_ إذا كان قد استهلك مبالغ جسيمة في عمليات نصبية محضة.

7_ إذا كان منذ التوقف عن الدفع أو في الخمسة عشر يوما السابقة له قد أجرى عملا مما ذكر في المادتين 246 و247 المتقدمتين وذلك متى كانت المحاكم المختصة قد قضت بعدم الأخذ بها قبل جماعة الدائنين أو أقر الأطراف بهذا.

8_ إذا كان قد عقد لحساب الغير تعهدات رأى أنها بالغة الضخامة بالنسبة لوضعه عند التعاقد وكان لم يقبض مقابلها شيئا.

9_ إذا كان قد ارتكب في استغلال تجارته أعمالا بسوء نية أو بإهمال لا يغتفر أو جرت منه مخالفات جسيمة لقواعد أو أعراف التجارة.

 

 

 

المطلب الثاني: آثار تحول التسوية القضائية إلى إفلاس

1_ يؤدي حكم التحويل في جميع الأحوال، إلى رفع يد المدين اعتبارا من تاريخ الحكم ويتبع وكيل التفليسة الذي تعينه المحكمة القواعد الخاصة بالإفلاس بالنسبة لما تبقي من سير الإجراءات حسب نص المادة 339 ق ت.

2_ يجوز للدائنين القدامى أن يتقدموا في التفليسة الثانية بجميع ديونهم إذا كانوا لم يقبضوا شيئا من القدر الذي تقرر لهم في الصلح، وأما إذا لم يقبضوا شيئا من القدر المذكور فلا يتقدمون في التفليسة الثانية إلا بجزء من ديونهم الأصلية مقابل الجزء الباقي لهم من القدر المذكور. بيد أن للدائنين القدامى أن يستوفوا حقوقهم من ثمن عقارات المفلس بالأولوية على الدائنين الجدد بما لهم من حق رهن عليها. كما يحتفظون بحقوقهم قبل الكفلاء الضامنين لشروط الصلح في حدود الأنصبة المقررة فيه إذ لا تبرأ ذمتهم بشهر إفلاس المدين مرة ثانية كما لا تبرأ بفسخ الصلح[76].

3_ لا يجوز طلب تحويل التسوية القضائية إلى إفلاس إلا إذا كانت التسوية لم تقفل بعد وعلى ذلك لا يجوز طلب التحويل إلى إفلاس، إذا كانت المحكمة قد وافقت على الصلح بحكم نهائي، ولا يجوز طلب التحويل بعد اجتماع آخر جمعية لاتحاد الدائنين، أما في ما عدا ذلك فيجوز الحكم بتحويل التسوية إلى إفلاس في أي وقت خلال سير إجراءات التسوية، ويجب أن تسمع أقوال المدين للحكم بالتحويل وإلا كان الحكم باطلا[77].

4_ يمكن تحويل التسوية القضائية إلى إفلاس متى توفرت حالاتها، لكن لا يمكن تحويل الإفلاس إلى تسوية قضائية.

5_ يجوز أن تنقلب التسوية القضائية إلى إفلاس حتى قبل أن يتم الصلح أو تقره المحكمة.

 

 

المبحث الثالث: حالة الاتحاد

حالة الاتحاد هو الحل المنطقي الذي تنتهي به التفليسة في حالة عدم التوصل إلى صلح قضائي، ولذلك نتعرض إلى مفهوم حالة الاتحاد (المطلب الأول)، وإجراءات التصفية وانحلال الاتحاد (المطلب الثاني).

 

المطلب الأول: مفهوم حالة الاتحاد

تهدف حالة الاتحاد إلى تصفية أموال المدين وتوزيع ثمنها على الدائنين وهي تشبه الصلح القضائي من حيث أنها تؤدي إلى إنهاء إجراءات التفليسة لكنها تختلف عنها في النقاط التالية:

_ قد يؤدي الصلح إلى بعض الديون بموافقة أغلبية الدائنين، بينما لا يحدث هذا الأمر في الاتحاد إذ يسدد المدين ما عليه ويظل ملزما بتسديد أجزاء الديون التي لم تغطيها تصفية أمواله.

_ تظم جمعية الدائنين في الصلح الدائنين العاديين وأصحاب الامتياز العام فقط، بينما في حالة الاتحاد تضم الدائنين العاديين وأصحاب الامتياز العام والخاص وأصحاب الرهون وحق التخصيص[78].

وحسب نص المادة 349 ق ت، فإن حالة الاتحاد تتكون بمجرد إشهار الإفلاس أو تحول التسوية القضائية، فيقوم الوكيل المتصرف القضائي بعمليات تسوية الأصول وفي نفس الوقت يضع كشفا بالديون.

وفي نفس السياق، يمكن القول أنه إذا لم يعقد الصلح مع المفلس، لعدم تقديم مقترحات الصلح أو لعدم موافقة أغلبية الدائنين على الصلح، أو لرفض المحكمة التصديق عليه أصبح الدائنون بحكم القانون في حالة اتحاد، ويترتب على الاتحاد استمرار أعمال التفليسة لأجل بيع أموال المفلس وتوزيع الناتج منها على الدائنين[79]

خلاصة القول، أن حالة الاتحاد تهدف إلى تصفية كل أموال المدين وتوزيع ثمنها على الدائنين، فهي كالصلح القضائي، تؤدي إلى الاختتام النهائي للإجراءات. ولكن يتضمن الصلح عادة تخفيضات من الديون، لا تؤدي حالة الاتحاد لأية تبرعات في فائدة المدين ويبقى هذا الأخير ملزما بتسديد أجزاء الديون التي لم تغطيها تصفية الأموال[80].

 

المطلب الثاني: إجراءات التصفية وانحلال الاتحاد

أولا_ إجراءات التصفية

_ بعد تحقيق الديون من طرف الوكيل المتصرف القضائي وقبولها من طرف القاضي المنتدب، وتوقيعه على كشف الديون في أجل ثلاثة أشهر من تاريخ الحكم وإبلاغ الدائنين بمحتواه ثم بعد تقديم الدائنين لملاحظاتهم وبعد اعتراضهم أو اعتراض المدين وفصل القاضي المنتدب وبعد حصر كل الديون وإمضاء كشف الديون، ففي مدى ثلاثة أيام بعد قفل كشف الديون أو بعد الفصل في كل نزاع في الديون المنصوص عليه في المادة 278 ق ت التي تجيز للمحكمة قبول الدائن في المداولات عن مبلغ تحدده، يقوم القاضي المنتدب باستدعاء الدائنين الذين قبلت ديونهم وهذا بإخطار ينشر في نشرة الإعلانات القانونية أو ترسل لهم عن طريق المحضر أو رسالة من طرف الوكيل المتصرف القضائي طبقا للمادة 314 ق ت وهي الإجراءات السابق التعرض لها.

_ ثم يعرض الوكيل المتصرف القضائي تقريره عن حالة المؤسسة التجارية، والإجراءات التي تمت فيها، والأعمال التي قام بها، ويتم سماع المدين وإبداء ملاحظاته، ويسلم بعدها تقريره المثبت لقيام حالة الاتحاد للقاضي المنتدب، الذي يحرر محضرا بما حصل في الجمعية وما قررته.

_ وبتشكل اتحاد الدائنين يقوم الوكيل المتصرف القضائي بتصفية أصول المؤسسة التجارية  إلا إذا أذن القاضي بمواصلة النشاط التجاري ففي هذه الحالة لا تصفى الأموال مباشرة بل إلى حين الحصول على عليها الأموال.

_ تتم التصفية بتحصيل الديون والحقوق لدى مديني المدين، وكما يتعين تحديد ترتيب الدائنين حسب نص المادة 350 ق ت.

_ بيع منقولات المدين، كما يجوز للوكيل المتصرف القضائي القيام وحده أي دون أخذ رأي القاضي المنتدب ببيع البضائع والمنقولات، حسب نص المادة 350 ق ت، عكس عملية بيع البضائع المعرضة للتلف أو التي ستنخفض قيمتها أو التي يكلف حفظها ثمنا باهظا طبقا للمادة 268 ق ت وكما أن المادة 269 ق ت، أوجبت على الوكيل المتصرف القضائي أخذ رأي القاضي المنتدب في بيع باقي الأموال المنقولة أو البضائع، كما أنه يجب سماع المدين لإبداء ملاحظاته أما عند قيام حالة الاتحاد لا يلزم الوكيل المتصرف القضائي بأخذ رأي القاضي المنتدب في عملية البيع ولا يلزم باستدعاء المدين وسماع رأيه.

ورغم أن العادة جرت على بيع أموال المدين بالمزاد العلني، إلا أن المادة 352 ق ت تضمنت استثناءا وهو أنه يجوز للمحكمة إذا طلب منها أحد دائني المدين أو الوكيل المتصرف القضائي  أن تأذن له بالتعاقد جزافا في كل الأصول المنقولة أو العقارية أو بعضها وبيعها.

_ بيع عقارات المدين، نصت عليها المادة 351 ق ت، فإذا لم ترفع أية مطالبة ببيع جبري للعقارات قبل حكم شهر الإفلاس، يقبل من الوكيل المتصرف القضائي وحده بعد أن يأذن له القاضي المنتدب مواصلة البيع على أن يقوم بذلك خلال الثلاثة أشهر، إلا أن الدائنين المرتهنين عقاريا أو الذين يملكون امتيازا مهلة شهرين اعتبارا من تبليغهم بالحكم بشهر الإفلاس، أن يقوم بالبيع الجبري مباشرة للعقارات التي قيدت عليها رهونهم العقارية أو امتيازاتهم. وإذا لم يفعلوا خلال تلك الفترة يتعين على الوكيل المتصرف القضائي القيام بالبيع في مهلة شهر ويتم البيع طبقا لإجراءات بيع العقارات. وتطبق على إجراءات بيع العقارات نفس أحكام الحجز العقاري.

_الوفاء بالديون، وذلك من توزيع مبلغ الأصول، بعد طرح المصاريف، وكذا مصاريف التفليسة وكذا الإعلانات الممنوحة للمدين أو لأسرته والمبالغ المدفوعة للدائنين ذوي الامتيازات، وتكون حصة الدائنين كل حسب ديونه المحققة والمقبولة، حسب نص المادة 353 ق ت.

ثانيا_ انحلال الاتحاد

تطرقت له المادة 354/1 ق ت، فيحل اتحاد الدائنين بقوة القانون بعد إقفال الإجراءات وأهم أثار هذا الانحلال هو:

_ يسترجع الدائنون شخصيا ممارسة أعمالهم، وهذا ما يؤدي بنا إلى إنهاء مهمة القاضي المنتدب والوكيل المتصرف القضائي والمراقبين، وينتهي غل اليد بحيث يمكن للمدين أن يرفع كل الدعاوى التي يراها مناسبة وإجراء العقود دون شرط أو قيد.

_ تبقى الأجزاء غير المدفوعة من الديون عالقة بذمة المدين بوصفها دينا مدنيا واجب الأداء ولا يجوز طلب شهر إفلاس المدين مرة ثانية بسبب نفس الدين لعدم دفعه، إنما يجوز مطالبته به وبالتنفيذ على أمواله المستقبلية للحصول عليه[81].

_ يجوز للدائنين رفع دعاوى على المدين بباقي المبالغ التي لم يحصلوا عليها من التفليسة  وهذا في حالة حصول المدين على أموال بعد انحلال الاتحاد كما منحهم القانون حق الحصول من المحكمة على سندات تنفيذية، وذلك للحجز على أمواله بموجب طلب يقدم لرئيس المحكمة التي أصدرت الحكم بالإفلاس، ويقوم رئيس المحكمة بتحقيق الديون وقبولها والاطلاع على كشف الديون المودع لدى كتابة ضبط المحكمة، وبعدها يصدر أمرا بإلزام المدين بدفع الدين المقبول، حسب نص المادة 354/2 ق ت، ولكن لا يمكن للدائن طلب إعلان إفلاس المدين بسبب هذا الدين مرة ثانية، لأنه لا إفلاس على إفلاس فيما يخص نفس الدين.

_ يبقى المفلس محروما من حقوقه السياسية والدنية، ولا يسترجعها إلا بعد حصوله على رد الاعتبار.

المبحث الرابع: إقفال التفليسة لعدم كفاية الأصول

نتعرض في هذا المبحث إلى مضمون إقفال التفليسة لعدم كفاية الأصول وكذا آثارها.

المطلب الأول: مضمونه

نصت عليه المادة 355 ق ت، على أنه إذا توقفت في أي وقت من الأوقات سير عمليات التفليسة والتسوية القضائية، وذلك لعدم كفاية الأصول، جاز للمحكمة المختصة وبناء على تقرير من القاضي المنتدب أن تقضي بإقفال هذه العمليات.

لأنه لا جدوى من إبقاء سير العمليات مفتوحا، إذا لم يجد الوكيل المتصرف القضائي أصولا يبيعها ليسدد بثمنها ديون المدين. وكما يمكن أن يكون هذا القفل تلقائيا أي تتخذه المحكمة من تلقاء نفسها.

كما أنه وبالغلق المؤقت لإجراءات التفليسة لعدم كفاية الأموال، يجعل لكل دائن الحق في مباشرة دعواه الشخصية ضد المدين، وإذا كان دينه قد حقق فيه وتم قبوله، أن يحصل على سند تنفيذي.

ومن جهة أخرى يمكن القول أن قفل التفليسة لعدم كفاية الأموال لا يعد حلا للتفليسة يترتب عليه انتهاؤها، كما هو الحكم في الصلح واتحاد الدائنين، بل هو مجرد وقف مؤقت لعمليات التفليسة وإجراءاتها التمهيدية لا ينبني عليه زوال آثار الإفلاس[82].

ولذلك يبقى الوكيل المتصرف القضائي مسؤولا ولمدة عامين من الحكم بشهر الإفلاس        أو التسوية القضائية، عن السندات التي يكون الدائنون قد سلموها له. وفي حالة وجود حكم بإقفال التفليسة لعدم كفاية الأموال، تخفض المدة إلى عام واحد من تاريخ صدور الحكم.

والهدف من ذلك هو إذا تحصل المدين على أموال جديدة كالإرث أو الهبة، فإنه يطلب من المحكمة فتح التفليسة من جديد، والطلب هذا يكون من المدين نفسه أو من كل ذي مصلحة في ذلك، شريطة تقديم الدليل على وجدوا أموال جديدة لمواجهة عمليات التفليسة حسب نص المادة 356 ق ت.

 

المطلب الثاني: آثاره

1_ التوقف المؤقت لإجراءات التفليسة، لغاية ظهور أموال جديدة للمدين.

2_ يبقى الوكيل المتصرف القضائي في حالة مراقبة إلى غاية ظهور أصول جديدة، أي أن مهامه توقف مؤقتا.

3_ تبقى حالة غل يد المدين عن إدارة أمواله قائمة، سواء الحاضرة أو المستقبلية.

4_ يحق للدائنين مباشرة دعواهم الشخصية ضد المدين.

 

المبحث الخامس: إقفال التفليسة لانقضاء الديون

نتعرض في هذا المبحث إلى مضمون إقفال التفليسة لانقضاء الديون وكذا آثارها.

 

المطلب الأول: مضمونه

وقد تطرقت له المادة 357 ق ت، على أنه يمكن للمحكمة أن تقضي ولو تلقائيا بإقفال الإجراءات في حالتين:

1_ عدم وجود ديون مستحقة.

2_ وجود ما يكفي من الأموال تحت يد الوكيل المتصرف القضائي لتسديد الديون.

ولا يجوز إصدار الحكم بقفل عمليات التفليسة، إلا بناء على تقرير من القاضي المنتدب الذي يقوم بإجراء تحقيق عن توفر حالة من الحالتين السابق ذكرهما، لاتخاذ قرار القفل.

وعلى عكس حكم قفل التفليسة لعدم كفاية الأصول، فإن الحكم بالقفل لانقضاء الديون يضع حدا نهائيا للإجراءات بإعادة كافة حقوق المدين إليه، وإعفائه من كل إسقاطات الحق التي كانت قد لحقت به.

وكذا رفع الرهن على أموال المدين والذي كان مقررا لجماعة الدائنين، وبذلك يعود المفلس على رأس تجارته، وتنتهي بذلك نهائيا مهام الوكيل المتصرف القضائي وكذا القاضي المنتدب.

 

المطلب الثاني: آثاره

1_ تنتهي حالة غل يد المدين عن إدارة أمواله، ويعود بذلك لممارسة حياته التجارية.

2_ ينتهي رهن أموال المدين لصالح جماعة الدائنين.

3_ يمكن للمفلس بذلك تقديم طلب رد الاعتبار.

 

 

 

 

 

الفصل الرابع: رد الاعتبار التجاري

وكما ذكرنا سابقا أن المدين المفلس يتعرض لعقوبات منها غل يده عن ممارسة التجارة وكذا سقوط حقوقه المدنية والسياسية، لا يعود التاجر على رأس تجارته وممارسة أعماله التجارية أو أي عمل آخر إلا بعد رد اعتباره.

فيقصد برد الاعتبار تمكين المفلس من استعادة الحقوق التي سقطت عنه واسترداد مركزه المالي والاجتماعي، بعد أن فقده خلال عمليات التفليسة. وكما لا يعقل أن يبقى الشخص كامل حياته مسلوب الحقوق، لذلك وجدت آلية تجعله يسترد مكانته التجارية والاجتماعية.

فرد الاعتبار التجاري هو استرداد المفلس لمكانته الاجتماعية ومحو آثار جريمة الإفلاس التي لطخت صمعته التجارية، وعودته لممارسة نشاطه التجاري واعتبار أن الحكم بالإفلاس وكأن لم يكن، كما يمكنه استعادة حقوقه المدنية والسياسية.

فنتعرض في ذلك إلى رد الاعتبار القانوني (المبحث الأول)، ورد الاعتبار القضائي (المبحث الثاني).

 

 

 

 

 

المبحث الأول: أنواع رد الاعتبار التجاري

يكون رد الاعتبار اتجاري إما قانونيا أي بقوة القانون، أو يكون قضائيا أي جوازيا.

 

المطلب الأول: رد الاعتبار القانوني

نصت عليه المادة 358 ق ت، على أنه يرد الاعتبار التجاري وبقوة القانون، لكل تاجر سواء كان شخصا طبيعيا أو معنويا، أشهر إفلاسه أو قبل في تسوية قضائية، متى كان قد أوفى كامل المبالغ المدين بها من أصل المصاريف.

وحتى يرد الاعتبار لشريك متضامن في شركة أشهر إفلاسها أو قبلت في تسوية قضائية يتعين عليه الإثبات أنه أوفى طبقا لنفس الشروط كافة، ديون الشركة حتى وإن كان قد منح صلحا منفردا.

وفي حالة اختفاء أو غياب أحد الدائنين فعلى المدين إيداع المبلغ المستحق في خزينة الأمانات والودائع.

فيشترط في هذا النوع من رد الاعتبار أن يكون المفلس قد أوفى جميع ديونه، ويقصد بذلك الديون السابقة على شهر الإفلاس دون الديون اللاحقة له، ويجب أن يشمل الوفاء أصل الديون والفوائد والمصروفات، ولو كان المفلس قد حصل على صلح تنازل فيه الدائنون عن جزء من ديونهم[83]

وما يستخلص كذلك، أنه إذا أقفلت التفليسة لانقضاء الديون، فإن من حق المدين استرجاع كافة حقوقه فيصدر الحكم بانقضاء الديون وبالتالي استرجاع الدائن لمكانته بقوة القانون.

 

المطلب الثاني: رد الاعتبار القضائي

نصت عليه المادة 359 ق ت، على أنه هناك حالات يجوز فيها للقاضي رد اعتباره متى ثبتت استقامته، أي أن السلطة التقديرية في هذه الحالات ترجع للقاضي وهي:

1_ المدين الذي حصل على صلح وسدد الحصص التي وعد بها كاملة، ويطبق هذا الحكم على الشريك المتضامن الذي حصل من الدائنين على صلح منفرد.

2_ من أثبت إبراء الدائنين له من كامل الديون وموافقتهم الجماعية على رد اعتباره.

إذن لا يكفي لحصول المدين على رد اعتبار جوازي أن يحصل على صلح، أو أن يحصل على موافقة الدائنين، بل لابد أن تثبت استقامته، وأنه جاهز لأن يسترجع مكانته الاجتماعية والتجارية.

من جهة ثانية تنص المادة 366 ق ت، على أنه لا يقبل رد الاعتبار للأشخاص المحكوم عليهم في جناية أو جنحة مادام من آثار الإدانة منعهم من أي ممارسة تجارية أو صناعية       أو حرفية يدوية. لكن المادتين 681 و682 من قانون الإجراءات الجزائية سمحت للذي حكم عليه بجنحة من تقديم طلب رد الاعتبار بعد مرور ثلاث سنوات، باستثناء من صدرت في حقه عقوبة سقطت بالتقادم.

 

المبحث الثاني: إجراءات رد الاعتبار التجاري وآثاره

نتعرض في هذا المطلب إلى إجراءات رد الاعتبار وكذا الآثار الناجمة عنه.

 

المطلب الأول: إجراءات رد الاعتبار التجاري

تتمثل إجراءات الحصول على رد اعتبار في التالي:

1_ على المدين أو ورثته في حالة وفاته أن يتقدم بعريضة يطلب فيها رد اعتباره، يودعها لدى كتابة ضبط المحكمة التي تمت فيها شهر إفلاسه أو التسوية القضائية، ويكون مصحوبا بوثائق تثبت أنه وفى كل ديونه المترتبة عليه اتجاه الدائنين المادة 360 ق ت.

2_ يقوم كاتب الضبط بإعلان طلب رد الاعتبار عن طريق نشره في إحدى الصحف المعتمدة لقبول الإعلانات القانونية، حسب نص المادة 361 ق ت.

3_ يحق لكل دائن خلال شهر واحد من نشر طلب المدين أن يقدم عريضة معارضة لدى المحكمة المختصة، يشرح فيها أسباب اعتراضه على منح المدين رد الاعتبار، ويشترط أن يقدم وثائق ثبوتية على اعتراضه، حسب نص المادة 362 ق ت.

ويفصل في الطلب وفي المعارضات المرفوعة بموجب حكم واحد، وإذا رفض الطلب لا يجوز تجديده إلا بعد انقضاء عام واحد، المادة 365 ق ت. وإذا قبل الطلب يسجل الحكم في سجل المحكمة التي أصدرته وفي محكمة موطن الطالب.

كما يجب إرسال نسخة عنه لوكيل الجمهورية التابع له محل ميلاد الطالب، مدون بها ملخص عن الحكم ليؤشر عنه في الصحيفة القضائية إزاء التصريح بإشهار الإفلاس أو التسوية القضائية.

4_ تعفى إجراءات رد الاعتبار من رسوم الطابع والتسجيل.

 

المطلب الثاني: آثار رد الاعتبار التجاري

1_ استعادة التاجر لممارسة تجارته، واعتبار حكم الإفلاس وكأن لم يكن. كما يشترط أن لا يكون قد حكم على المدين بالإفلاس بالتقصير أو بالتدليس.

2_ استرجاع التاجر لحقوقه التجارية، ولا يعني ذلك استرجاعه للحقوق المدنية والسياسية لأن عليه في هذه الحالة التقدم بطلب رد الاعتبار الجنائي.

3_ يبقى حق الدائنين الذين لم يستوفوا كامل حقوقهم قائما، حتى بعد موافقتهم على رد الاعتبار القضائي.

4_ يستفيد الشخص الذي توفي بعد قبوله في الإفلاس أو التسوية القضائية، من إجراءات رد الاعتبار.

الفصل الخامس: جرائم الإفلاس

إن الملاحظ في قضايا الإفلاس في جانبه التجاري أو الجزائي، أنه بقيت ولمدة طويلة منعدمة ونادرة الطرح أمام القضاء الجزائري، ولعل السبب في ذلك يرجع إلى النظام الاقتصادي الاشتراكي الذي كانت تنتهجه الجزائر آنذاك، أي أن الاقتصاد كان كله بيد الدولة واحتكار كامل للسوق الوطنية.

إلا أنه مع انفتاح الجزائر على اقتصاد السوق أخذ نظام الإفلاس مكانته، وأصبحت محاكمنا تعج بهذا النوع من القضايا.

لذلك في هذا الفصل سيتم التطرق إلى الجانب الجزائي في الإفلاس، من خلال التعرض إلى التفليس بالتدليس والتفليس بالتقصير، وجرائم أخرى مثل جرائم مديري الشركات

وبعض الجرائم الملحقة بجرائم التفليس بتوضيح أركان كل جريمة والجزاء المقرر لها.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المبحث الأول: جريمة الإفلاس بالتقصير

نتعرض في هذا المبحث إلى حالات جريمة الإفلاس بالتقصير، وعقوبتها.

 

المطلب الأول:  حالات جريمة الإفلاس بالتقصير

هناك نوعين من حالات الإفلاس بالتقصير وهي:

أولا_ الإفلاس بالتقصير الوجوبي:

نصت على حالات الإفلاس بالتقصير الوجوبي المادة 370 ق ت، وهي حالات إن توفرت يجب فيها الحكم على المدين بالإفلاس بالتقصير وهي:

أ_ إذا ثبت أن مصاريفه الشخصية أو مصاريف تجارته مفرطة.

ب_ إذا استهلك مبالغ جسيمة في عمليات نصبية محضة أو عمليات وهمية.

ج_ إذا كان قد قام بمشتريات لإعادة البيع بأقل من سعر السوق بقصد تأخير إثبات توقفه عن الدفع أو استعمل بنفس القصد وسائل مؤدية للإفلاس ليحصل على أموال.

د_ إذا قام التوقف عن الدفع بإيفاء أحد الدائنين إضرارا بجماعة الدائنين.

ه_ إذا كان قد أشهر إفلاسه مرتين وأقفلت التفليستان بسبب عدم كفاية الأصول.

ز_ إذا لم يكن قد امسك أية حسابات مطابقة لعرف المهنة نظرا لأهمية تجارته.

ر_ إذا كان قد مارس مهنته مخالفا لحظر منصوص عليه في القانون.

 

 

ثانيا_ الإفلاس بالتقصير الجوازي

وهو عكس الإفلاس بالتقصير الإجباري، نصت عليه المادة 371 ق ت، متى توفرت حالته يجوز للقاضي الحكم به، أي أن السلطة التقديرية فيه ترجع للقاضي وهذه الحالات هي:

أ_ إذا كان عقد لحساب الغير تعهدات ثبت أنها بالغة الضخامة بالنسبة لوضعه عند التعاقد بغير أن يتقاضى مقابلها شيئا.

ب_ إذا كان قد حكم بإفلاسه دون أن يكون قد أوفى بالتزامه عن صلح سابق.

ج_ إذا كان لم يقم بالتصريح لدى كاتب ضبط محكمة عن حالة التوقف عن الدفع في مهلة خمسة عشر يوما، دون مانع مشروع.

د_ إذا كان لم يحضر بشخصه لدى الوكيل المتصرف القضائي في الأحوال والمواعيد المحددة دون مانع مشروع.

ز_ إذا كانت حساباته ناقصة أو غير ممسوكة بانتظام.

ومن خلال استقراء المادة 371 من القانون التجاري فإنه يتضح لنا، أن الركن المادي لجريمة التفليس بالتقصير الجوازي يتحقق بتوافر إحدى الحالات المنصوص عليها على سبيل الحصر وليس على سبيل المثال. وهنا يكون للقاضي الجزائي الخيار بين إدانة الجاني والحكم عليه بعقوبة أو إخلاء سبيله، وذلك إما بسبب تفاهة الأخطاء المنسوبة إليه وإما بسبب وضعيته.

وبالتالي له في هذه الحالات سلطة تقديرية واسعة، وذلك لأن المشرع عبر عن هذه الصورة باستعمال عبارة "يجوز أن يعتبر مرتكبا للتفليس".

 

 

 

المطلب الثاني: عقوبة جريمة الإفلاس بالتقصير

يترتب على الإدانة بجريمة التفليس بالتقصير تسليط العقوبات المقررة  في المادة 383 من قانون العقوبات والتي تنص على أن:" كل من ثبتت مسؤوليته لارتكابه جريمة التفليس في الحالات المنصوص عليها في القانون التجاري يعاقب:

_عن التفليس بالتقصير بالحبس من شهرين ( 2) إلى سنتين ( 2) وبغرامة من 25000 إلى 200000 دينار جزائري".

 وإضافة إلى ذلك يتم نشر حكم جريمة الإفلاس بالتقصير، الذي يعتبر عقوبة تكميلية تطرقت إليه المادة 18 من قانون العقوبات بنصها على أنه: " للمحكمة عند الحكم بالإدانة أن تأمر في الحالات التي حددها القانون بنشر الحكم بأكمله أو مستخرج منه في جريدة أو أكثر بعينها         أو بتعليقه في الأماكن التي يبينها، ذلك كله على نفقة المحكوم عليه، على ألا تتجاوز مصاريف النشر المبلغ الذي يحدده الحكم لهذا الغرض، وتكون مدة التعليق شهرا واحدا على الأكثر، ويشترط لتطبيق هذه العقوبة أن تكون مقررة بنص صريح في القانون".

وقد أضافت المادة 388 ق ت، على أنه:" يجري لصق ونشر أحكام الإدانة الصادرة وفقا لهذا الباب على نفقة المحكوم عليهم في صحيفة معتمدة للإعلانات القانونية، وكذلك خلاصة موجزة في النشرة الرسمية للإعلانات القانونية تتضمن ذكر عدد جريدة الإعلانات القانونية التي حصل فيها النشر الأول".

وفي نفس السياق نصت المادة 369 ق ت، على أنه تطبق العقوبات المنصوص عليها في المادة 383 الفقرة الأولى من قانون العقوبات على الأشخاص الذين تثبت إدانتهم بالتفليس بالتقصير.

إذن جريمة الإفلاس بالتقصير، هي جنحة معاقب عليها بنص صريح من قانون العقوبات بالإضافة إلى أنه بالرجوع لنص المادة 31 من قانون العقوبات، لا يعاقب عليها إلا بناء على نص صريح في القانون، وبحكم صادر من الهيئات القضائية المختصة.

المبحث الثاني: جريمة الإفلاس بالتدليس

نتعرض في هذا المبحث لحالات الحكم المدين بالإفلاس بالتدليس وعقوبة هذه الجريمة.

 

المطلب الأول: حالات جريمة الإفلاس بالتدليس

نصت عليه المادة 374 ق ت، بأن كل تاجر في حالة التوقف عن الدفع، يكون مدانا بارتكاب جريمة الإفلاس بالتدليس في الحالات التالية:

أولا_ أخفى حساباته أو بدد أو اختلس بعض أو كل أصوله

ويقصد بإخفاء التاجر لحساباته، هو قيامه بأفعال وأعمال للحيلولة دون وصول الدائنين إلى دفاتره سواء كلها أو جزء منها، حتى لا يتمكن الوكيل المتصرف القضائي أو جماعة الدائنين من الإطلاع عليها ومنه الحيلولة دون شهر إفلاسه أو جردها وإدراجها ضمن قائمة الجرد، إن كان قد أشهر إفلاسه مسبقا.

ويعتبر من قبيل إخفاء الحسابات إتلاف التاجر المتوقف عن الدفع، دفاتره ومراسلاته        أو وثائقه التي لم تمضي عليها مدة 10 سنوات، وهي المدة التي ألزم المشرع الجزائري التاجر الاحتفاظ فيها بدفاتره، إذا ما كان ذلك مقترنا بنية التدليس.

أما إذا كان التغيير أو عدم تحرير الدفاتر بصفة منتظمة غير مقترن بنية التدليس، فإن هذه الحالة تعتبر تفليسا بالتقصير إذا ما كان التاجر في حالة توقف عن الدفع[84].

وأما تبديد الأموال فإنها تعني تحويل المال عن الغرض المخصص له، أي تبديد أو تبذير الأموال أو اختلاسها، ولعل أول ما يلاحظ في هذه الحالة أنه هناك فعلين، فعل الاختلاس وفعل التبديد  وعلة العقاب على اختلاس أصوله كون هذه الأموال لا تعتبر حقا للتاجر بعد توقفه عن الدفع وإنما تصبح حقا لدائنيه بعد ذلك .

ولم يحدد المشرع الجزائري في المادة 374 من القانون التجاري الطرق التي يتم بها الاختلاس وإنما ترك ذلك للسلطة التقديرية للقاضي.

وقد اعتبرت محكمة النقض الفرنسية في قرار صادر عن الغرفة الجزائية بتاريخ  07 ديسمبر 1992، قيام التاجر المشهر إفلاسه بالتخلي أو التنازل أو إحالة القيم المعنوية المنقولة لمحله التجاري، كالاسم والسمعة التجارية أو المعدات والآلات والبضائع المكونة له والداخلة ضمن أصول التفليسة لصالح شركة أسسها مع غيره اختلاسا، يكون الركن المادي لجريمة التفليس بالتدليس يتوجب العقاب عليها[85].

ثانيا_ أقر بطريق التدليس بمديونيته بمبالغ ليست في ذمته

سواء كان هذا في محرراته بأوراق رسمية أو تعهدات عرفية أو في ميزانيته.

وطبقا للمادة التاسعة ق ت، فإن التاجر سواء كان شخصا طبيعيا أو معنويا ملزم بمسك دفتر لليومية، يقيد فيه يوما بيوم عمليات المقاولة، أو أن يراجع على الأقل نتائج هذه العمليات الشهرية.

وكذا حسب نص المادة 10، فهو ملزم بمسك دفتر الجرد يقيد فيه أصول وخصوم تجارته  ونسبة الأرباح والخسائر قصد إعداد ميزانيته، ومنه تعتبر ميزانية التاجر بمثابة مسح كامل لأصوله وخصومه، فإذا ما اعترف حال توقفه عن الدفع بدين وهمي ليس في ذمته أصلا قصد الإضرار بدائنيه، عن طريق الإنقاص من قيمة أصوله، أو أنه يقوم بسحب سفاتج مجاملة يبين فيها للغير أنه غير متوقف عن دفع ديونه، فإنه يعتبر مفلسا بالتدليس.

 

 

المطلب الثاني: عقوبة جريمة الإفلاس بالتدليس

نصت المادة 375 ق ت، على المتابعات الخاصة بجريمة التفليس بالتدليس، على أنه:" تطبق المادتان 372 و 373 على المتابعات بتهمة التفليس بالتدليس".

يتضح لنا، أن المشرع لم يبين الأفعال المكونة لجريمة التفليس بالتدليس في قانون العقوبات مثلما هو الحال عليه في أهم جرائم الأموال، وإنما أحال ذلك على القانون التجاري أي أنه اكتفى بالعقاب على هذه الجريمة في قانون العقوبات، وأحال تجريمها إلى القانون التجاري.

وكما تنص المادة 383 من قانون العقوبات على أنه:" يعاقب كل من ارتكب جريمة الإفلاس بالتدليس بالحبس من سنة إلى خمس سنوات".

إضافة إلى حرمان المفلس من حق أو أكثر من الحقوق الواردة في المادة 14 من قانون العقوبات ولمدة سنة على الأقل، وخمس سنوات على الأكثر.

ولقد أجاز المشرع الجزائري بموجب المادة 383 من قانون العقوبات، للقاضي أن يحكم على المفلس بالتدليس حسب المادة 14 من قانون العقوبات بالحرمان من حق أو أكثر من الحقوق الواردة في المادة 9 مكرر 1من نفس القانون لمدة سنة ( 1) على الأقل وخمس ( 5) سنوات على الأكثر.

وبالرجوع إلى المادة 9 مكرر1 و2 من قانون العقوبات، نجدها تحدد الحقوق التي يمكن للمحكمة أن تحكم بها على المفلس بالتدليس، وذلك بالحرمان من حق أو أكثر والمتمثلة في الحرمان من ممارسة الحقوق الوطنية والمدنية والعائلية وهي:

-1 العزل أو الإقصاء من جميع الوظائف والمناصب العمومية التي لها علاقة بالجريمة.

-2 الحرمان من حق الانتخاب والترشح ومن حمل أي وسام.

-3 عدم الأهلية لأن يكون مساعدا، محلفا، أو خبيرا، أو شاهدا على أي عقد أو شاهدا أمام القضاء إلا على سبيل الاستدلال.

-4 الحرمان من الحق في حمل الأسلحة، وفي التدريس، وفي إدارة مدرسة أو الخدمة في مؤسسة للتعليم بوصفه أستاذا، أو مدرسا، أو مراقبا.

-5 عدم الأهلية لأن يكون وصيا أو قيما.

-6 سقوط حقوق الولاية كلها أو بعضها.

ويستوي في هذه العقوبات، المحكوم عليه سواء كان فاعلا بصفته التاجر المفلس أو كان شريكا له حتى ولو لم تكن له صفة التاجر، أي أن كلا العقوبتان الأصلية والتكميلية تطالا المدين المفلس وكل شريك معه في ارتكاب هذه الجريمة وفقا للمادة 384 من قانون العقوبات.

وقد أضافت المادة 388 ق ت، أنه يجب لصق ونشر حكم الإدانة بالإفلاس بالتدليس على نفقة المحكوم عليه، في صحيفة معتمدة للإعلانات القانونية، وخلاصة موجزة في النشرة الرسمية للإعلانات القانونية تتضمن رقم عدد جريدة الإعلانات القانونية التي حصل فيها النشر الأول.

 

المبحث الثالث: جرائم غير المفلس

نتعرض في هذا المبحث إلى ثلاث فئات هي:

_ جرائم مديري الشركات، _ جرائم الوكيل المتصرف القضائي والدائنين، _ جرائم أقرباء المدين وغيرهم.

 

المطلب الأول: جرائم مديري الشركات

الأصل أن جنحة الإفلاس بكل صورها، لا تطبق إلا على التجار لأن الشركات التجارية أشخاص معنوية لا يتصور ارتكابها لجرائم الإفلاس، لكن يثار التساؤل حول مصير مديري الشركات التجارية التي توقفت عن دفع ديونها، كما أن مديري الشركات التجارية ليسوا بالضرورة تجار، ولكن قد تكون لهم يد في وصول الشركة إلى تدهورها المالي.

فبالنسبة لمديري أو مسيري شركات التضامن وشركة التوصية فإن مساءلتهم جزائيا لا تثير أي إشكال باعتبار أن لهم صفة التاجر، أما باقي الشركات فقد أجازت المواد 378 إلى 380 من القانون التجاري متابعتهم لارتكاب جنحة التفليس.

حيث أنه في حالة توقف الشركة عن الدفع، تطبق العقوبات الخاصة بالتفليس التقصيري على القائمين بالإدارة والمديرين أو المصفين في الشركة ذات المسؤولية المحدودة، وبوجه عام كل المفوضين من قبل الشركة يكونون بهذه الصفة وبسوء نية:

1_ استهلكوا مبالغ جسيمة تخص الشركة في القيام بعمليات نصبية محضة أو عمليات وهمية.

2_ أو قاموا بقصد تأخير إثبات توقف الشركة في الدفع بمشتريات لإعادة البيع بأقل من سعر السوق، أو استعملوا بنفس القصد وسائل مؤدية للإفلاس للحصول على أموال.

3_ أو قاموا بعد توقف الشركة عن الدفع بإيفاء أحد الدائنين أو جعله يستوفي حقه إضرارا بجماعة الدائنين.

4_ أو جعلوا الشركة تعقد لحساب الغير تعهدات ثبت أنها بالغة الضخامة بالنسبة لوضعها عند التعاقد وذلك بغير أن تتقاضى الشركة مقابلا.

5_ أو أمسكوا أو أمروا بإمساك حسابات الشركة بغير انتظام.

كما أن المادة 379 ق ت، أضافت أنه تطبق العقوبات الخاصة بالتفليس بالتدليس على القائمين بالإدارة والمديرين أو المصفين في شركة مساهمة والمسيرين أو المصفين لشركة ذات مسؤولية محدودة وبوجه عام على كل المفوضين من قبل الشركة يكونون قد اختلسوا بطريق التدليس دفاتر الشركة أو بددوا أو أخفوا جزءا من أصولها، أو الذين قد أقروا سواء في المحررات  أو الأوراق الرسمية أو التعهدات العرفية أو في الميزانية بمديونية الشركة، بمبالغ ليست في ذمته.  

وأكدت المادة 380 ق ت، على أنه تطبق عقوبة التفليس بالتقصير على القائمين بالإدارة والمديرين أو المصفين في شركة مساهمة، والمسيرين أو المصفين في الشركة ذات المسؤولية المحدودة، وبوجه عام كل المفوضين من قبل الشركة، يكونون بقصد إخفاء كل أو بعض ذمتهم المالية عن متابعة من جانب الشركة المتوقفة عن الدفع أو من دائني الشركة يكونون عن سوء قصد اختلسوا أو اخفوا جانبا من أموالهم أو أقروا تدليسا بمديونيتهم بمبالغ ليست في ذمتهم.

وكما تطبق على هذه الفئات، والتي ثبت قيامها بعمليات أدت إلى توقف الشركة عن دفع ديونها نفس العقوبات المقررة للتاجر المفلس، حسب نص المادة 381 ق ت.

المطلب الثاني: جرائم الوكيل المتصرف القضائي والدائنين

أولا_ جرائم الوكيل المتصرف القضائي

بالرغم من أنه لا يوجد نص خاص في القانون التجاري أو في قانون العقوبات يحدد العقوبة المقررة للوكيل المتصرف القضائي في حالة اختلاسه وتبديده أموال التفليسة، إلا أنه باعتبار أن الوكيل المتصرف القضائي قد ائتمن على هذه الأموال إلى غاية انتهاء إجراءات التفليسة وتوزيع الحقوق على الدائنين، فإن أي تجاوز في القيام بالمهام المسندة إليه من شأنه تبديد هذه الأموال    أو اختلاسها أو التصرف فيها خارج صلاحياته مما يضر بجماعة الدائنين، ويعرضه إلى تطبيق عقوبة خيانة الأمانة المنصوص عليها في قانون العقوبات في المادة 376 والمتمثلة في الحبس من 03 أشهر إلى 03 سنوات، وغرامة من 500 دج إلى 20000 دج[86].

وأما في التشريع المصري، فقد نصت المادة 35 قانون العقوبات صراحة على معاقبة أمين التفليسة بالحبس وبغرامة لا تزيد على خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، إذا اختلس شيئا أثناء تأدية وظيفته، ويقصد بالاختلاس في هذا النص، كل فعل يترتب عليه ضياع أموال التفليسة كعدم إيداع خزانة المحكمة المبالغ المحصلة من التفليسة، ومن ثم فجريمة الاختلاس المنصوص عليها في هذه المادة أوسع نطاقا من جريمة خيانة الأمانة المنصوص عليها في المادة 341 قانون العقوبات، ويحكم على أمين التفليسة فضلا عن العقوبة، بأن يرد للتفليسة كل ما اختلسه وبالتعويض[87].     

ثانيا_ جرائم الدائنين

قد يرتكب الدائنين مجموعة أفعال تضر بالتفليسة، سواء للمدين أو حتى فيما بينهم كجماعة الدائنين وقد نصت المادة 380 من قانون العقوبات، على عقوبة الحبس من 3 أشهر إلى 3 سنوات، وبغرامة من 500 إلى 10000 د ج، وهذا على الدائن الذي اشترط لنفسه سواء مع المدين أو مع أشخاص سواه مزايا خاصة في إعطاء صوته في مداولات جماعة الدائنين، خاصة في انعقاد جمعية الصلح، لأنه في هذه الحالة سيضر بالجماعة. لذلك يبطل هذا العقد المتوصل إليه وإعادة الحالة إلى ما كان عليها قبل العقد حسب نص المادة 386 ق ت.

وكما تطبق عقوبات التفليس بالتدليس على الدائن الذي ثبت أنه قدم في التفليسة أو التسوية القضائية بطريق التدليس ديونا وهمية سواء باسمهم أو بواسطة آخرين، حسب نص المادة 382 ق ت.

وكما تلتزم الخزينة العامة بمصروفات الدعوى التي يرفعها أحد الدائنين إذا قضى بالإدانة  دون إخلال بحق الرجوع على المدين، حسب نص المادة 373 ق ت، وإذا قضي ببراءة المدين المفلس، فإن الدائن هو من يتحمل مصاريف الدعوى.

أما في القانون المصري فقد قضت المادة 335/3 من قانون العقوبات، بعقاب الدائنين بالحبس وبغرامة لا تزيد عن 500 جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين في حالات ثلاث هي:

1_ إذا زادوا قيمة ديونهم بطريق الغش.

2_ إذا اشترطوا لأنفسهم مع المفلس أو غيره مزايا خصوصية في نظير إعطاء صوتهم في مداولات الصلح    أو التفليسة أو الوعد بإعطائه.

3_ إذا عقدوا مشارطة خصوصية لدفعهم وإضرارا بباقي الغرماء[88].

 

المطلب الثالث: جرائم أقرباء المدين وغيرهم

حفاظا من المشرع على حقوق الدائنين الموجودة في حيازة المدين المتوقف عن دفع ديونه جرم بعض الأفعال المشكلة لهذه الجريمة إذا ما ارتكبت من طرف بعض أقارب المدين           أو أشخاص من الغير.

أولا: جرائم أقرباء المدين

تم النص على هذه الجريمة بموجب المادة 383 ق ت، التي جاء فيها :"تسري على زوج المدين وأصوله وفروعه أو أنسابه من نفس الدرجة الذين يكونون قد بددوا أو أخفوا أو غيروا مال  أو أشياء تتبع أصول التفليسة دون أن يكونوا شركاء للمدين العقوبات المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة 380 من قانون العقوبات".

وبالرجوع إلى الفقرة الأولى المحددة للعقوبة من المادة 380 من قانون العقوبات نجدها تنص على أنه: "يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة من 500 إلى 10000 دج ...زوج المدين وأصوله وفروعه أو لأنسابه من نفس الدرجة الذين يكونون قد بددوا أو أخفوا       أو غيروا مال أو أشياء تتبع أصول التفليسة دون أن يكونوا شركاء المدين.

وفي نفس السياق جاء في نص المادة 382 ق ت أنه: "تطبق عقوبات التفليس بالتدليس على:

1_ الأشخاص الذين يثبتوا أنهم اختلسوا لمصلحة المدين أو أخفوا أو خبئوا كل أو بعض أمواله    أو المنقولة أو العقارية وذلك بغير المساس بما عدا ذلك من أحوال نصت عليها المادتان 42 43 من قانون العقوبات ...".  

ويلاحظ في هذا الصدد أن المشرع أحال عقوبة هذه الفئة القانون التجاري، الذي بين الركن المادي والأفعال المكونة له، إلى قانون العقوبات الذي حدد فيه العقوبة المقررة لهذه الجريمة.

فالزوج مثلا والذي نقصد به الرجل أو المرأة، يجب على المحكمة أن تثبت الرابطة الزوجية القائمة بين الطرفين، حيث لابد من توافر أركان الزواج طبقا للمادة 9 من قانون الأسرة[89]، وأن تكون رابطة الزوجية قائمة أثناء ارتكابه جريمة تضر بالتفليسة، وإذا تم الطلاق فهذا لا يعفيه من العقوبة لأنه تطبق عليه عقوبات الغير.

ثانيا_ جرائم غير الأقرباء

جاء في نص المادة 382 ق ت، أنه تطبق عقوبات التفليس بالتدليس على:

2 الأشخاص الذين يثبتوا أنهم قدموا في التفليسة أو التسوية القضائية بطريق التدليس ديونا وهمية سواء باسمهم أو بواسطة آخرين.

3_ الأشخاص الذين مارسوا التجارة خفية باسم الغير أو باسم وهمي وارتكبوا أحد الأفعال المنصوص عليها في المادة 374 من هذا القانون.

وتتعرض هذه الفئة إلى عقوبة الحب من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات، وغرامة من 500 إلى 10000 د ج.

وكما تطبق عقوبات المادة 388 ق ت، وهي لصق ونشر أحكام الإدانة الصادرة، على نفقة المحكوم عليهم في صحيفة معتمدة للإعلانات القانونية.  

وفي الأخير نذكر أن كل شخص قام بمساعدة أو اشترك أو حرض الفاعل الأصلي، سواء كان تاجرا أو غير تاجر، فإن العقوبة هي نفسها عقوبة الفاعل الأصلي.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الخاتمة

إن المشرع ومن خلال القانون التجاري أولى عناية خاصة للتاجر، وفصل فيما يخص نظام الإفلاس والتسوية القضائية، وتعرض لجميع صور الإفلاس وكذا الجرائم المؤدية له.

وفي حقيقة الأمر فإن نظام التفليسة ما هو إلا ترجمة واقعية عن المبادئ الثلاث التي تقوم عليها المعاملات التجارية، ألا وهي السرعة، الثقة، والائتمان.   

فحالة التوقف عن دفع الديون، هي أخطر أمر قد يقع فيه المدين، وذلك لكون القانون التجاري يمنح امتيازات وتسهيلات للتاجر لتسهيل وتيرة المعاملات التجارية، وبالتالي النمو الاقتصادي ولكن في المقابل الشدة وعدم التساهل مع من لا يحترم القواعد التجارية، لذلك لا تمنح مواعيد أو مهل لتسديد الديون، لذلك نظام الإفلاس هو أخطر نظام يتعرض له التاجر، لأنه في الأول والأخير يمس باسمه وصمعته التجارية.

وما يمز منظومة الإفلاس والتسوية القضائية في القانون التجاري، بعض النقاط نتعرض لها فيما يلي:

1_ لم يميز المشرع صراحة بين الإفلاس والتسوية القضائية في التقنين التجاري، ولم يورد لكل واحد منهما بابا منفصلا عن الآخر، بل نص عليهما في نفس الباب وتعرض لهما معا والباحث في الأمر عليه التمعن جيدا في النصوص القانونية حتى يميز بين الإجراءات التي تطبق على الإفلاس دون التسوية القضائية، وذلك أنه هناك نصوص تتطرق إلى الإفلاس دون التسوية القضائية، والعكس، فيفهم أنه هناك فرق في هذه الحالة.

وكان من الأجدر للمشرع لو وضح الاختلاف بين الطريقين، الذي يتشبهان من حيث افتتاح ملف التفليسة فقط، والذي يبدأ بعريضة مكتوبة ومودعة لدى كتابة ضبط المحكمة المختصة ويختلفان فيما بعد في الإجراءات، إلى غاية غلق ملف التفليسة كليا.

2_ هناك تكامل واضح بين القانون التجاري وقانون العقوبات، فيما يخص جرائم التفليس وذلك أن القانون التجاري يحيلنا دائما إلى قانون العقوبات الذي يحدد لنا العقوبة، بعدما يكون القانون التجاري قد حدد الحالات والأفعال المكونة للجريمة والشخص المعني بها.

3_ فعل جيدا المشرع عندما لم يحدد لا قيمة الديون المؤدية للإفلاس أو التسوية القضائية ولا عدد الدائنين، إذ بمجرد التوقف عن الدفع يتم رفع دعوى الإفلاس ولو كانت قيمة الدين أو الفاتورة تافهة، لكن بالمقابل من ذلك فإن الأمر يضر بالاستثمارات التجارية في الجزائر، فلو نظرنا لجل الدول الحديثة كإيطاليا والمملكة المتحدة وألمانيا أو الولايات المتحدة الأمريكية، والتي أصبحت تميل لسن قوانين أكثر تسامحا لتشجيع المشاريع التجارية الخاصة، ودعم اقتصاديات أكثر نشاطا، إذ يعتقد المشرعون فيها بأن وجود نظام إفلاس أكثر تسامحا سيوفر أصولا ودعما اقتصاديا كبيرا.

ولكن في رأيي لابد كذلك من تشجيع التجار الصغار، وحتى لا يتم احتكار السوق من قبل الشركات الكبرى، والتي لا يتم محاسبتها على ديونها البسيطة.

3_ تبنى المشرع نظرية الإفلاس الواقعي، أي أنه أجاز للمحاكم الجزائية النظر في جرائم الإفلاس بالطريق فرعي إذا تبين لها أن المدين ارتكب أفعالا تؤدي به إلى الإفلاس بالتدليس      أو التقصير، وقد أصاب في ذلك، لأن التفليسة من النظام العام، وتشكل خطرا كبيرا على اقتصاديات الدول، فلا يجب التساهل مع التجار.